رئيس التحرير
عصام كامل

هوس الألقاب المضروبة من «الدكتور» إلى «المستشار»


«عينى على أهل كايرو لبط ابنها مين يسايروا، ياما البدل بتدارى سلطة ومحدش داري، هنا حرامى قالوا عصامى عامل فيها للشرف محامي، هنا فلاتى قال شعراتى وبالليل هات نفس يا سامي، أصل العيشة معلش همبكة كدب مالوش داعي، وكلوا لابس وش المصلح الاجتماعي»، ولذلك لا يجد كثيرون حرجًا في لصق ألقاب لأسمائهم رغم كونها لا تمت لهم بصلة.

هذا دكتور وذاك مستشار لكن أحدًا لا يعلم ما الحقيقية التي تخفيها «بدلته»، وصار انتحال الألقاب شطارة تغلفها تجارة لتطلق أبواق التحذير من ظاهرة «الألقاب الكاذبة» التي كثيرًا ما تجد في الفضائيات وسيلة ترويج لها كبضاعة.

الخبراء والمستشارون والنشطاء كانت أبرز الألقاب التي تزايدت بشكل مبالغ فيه قبل 4 سنوات، وتحديدًا مع ثورة 25 يناير، حتى وإن لم تتواجد الخبرة أو المؤهلات الكافية لهذه الدرجة العلمية أو حتى هذه الدرجة الوظيفية التي تجعله ينتحل هذا اللقب.
وأمام كثير من الأفكار الملوثة التي تنشرها شريحة واسعة من «حاملى الألقاب المزيفة»، بات المطلب الرئيسى الآن وضع حد لهذه الفوضى ووضع قانون يُجرم انتحال الألقاب واستخدامها.

حاملو الدكتوراه
يومآً بعد الآخر، تظهر أسماء جديدة تحمل دكتوراه في مجالات مختلفة لكن من خلال الاحتكاك معهم تظهر سطحيتهم بسهولة، وتحديدًا مع التأكد من أن منطق ومستوى التفكير يبتعدان ابتعادًا كليًا عن نمط العقل العلمى المنظم المبنى على إستراتيجيات ومناهج رصينة، وتأخذ الشكوك مجراها حول الشخصية المتحدثة.

حاملو شهادة الدكتوراه الحقيقيون ينتمون لفئات مختلفة، منهم الذين عملوا لسنين طويلة من المثابرة والجهد لنيل هذا الاستحقاق، وهؤلاء يستحقون التقدير والاحترام، لكن النوع الآخر الذي يبدو هو الأوسع حاليًا هم الفئة «الضالة المضللة» التي تنال درجات الدكتوراه بطرق ملتوية أو عبر التزوير أو دكاكين وأكشاك بيع الشهادات في جامعات معروفة برواج تجارة الشهادات فيها.
هؤلاء المزيفون لا يستطيعون تركيب عبارة على أخرى، فكيف يمكن أن يصدق المستمع لهم أنهم مروا بكل المراحل الشاقة والصعبة لنيل الدكتوراه؟! ومنها اجتياز المؤهل الجامعي، ثم دخول عالم الماجستير وكتابة مشكلة البحث وحاجة البحث وإتقان أدوات القياس والإحصاء والتحليل والربط المنطقى ووضع خطة محكمة، وبالتالى الشروع في مرحلة الدكتوراه وكتابة البحث العلمى وفق منهجيات وأصول ذات قدرٍ عالٍ من الإتقان.

الغريب أن أصحاب الشهادات المزورة أصبحوا الآن في مأمن، وفى كثيرٍ من الأوقات يصاب المختصصون بالغثيان وتعلو رءوسهم سحابات الغرابة والسخرية حين ينظرون إلى أشخاص تمكنوا من لقب الدكتوراه في غمضة عين، ويصرون على أن يتقدم حرف «الدال» اسمه، وكأن هناك عقدة ما تقف خلف هذا الإصرار.

«الفضائيات»
لم يعد غريبًا إطلاق كثير من مقدمى برامج التوك شو الألقاب «المزيفة» على ضيوفهم تبعًا لموضوع النقاش‏،‏ فأحدهم يصبح بين يوم وليلة «فقيهًا دستوريًا»، وآخر «مستشارًا أو خبيرًا إستراتيجيًا أو ‏خبيرًا إعلاميًا وربما ‏عالمًا»، وقد يزيد بعضهم من الكرم ويضيفون قبل أسماء ضيوفهم كلمة «دكتور» وغيرها من الألقاب.
«ناشط سياسي» كان اللقب الثورى الأكثر انتشارًا في مصر، خصوصًا مع ثورتى «25 يناير و30 يونيو» لدرجة أن كل من نزل إلى الميدان ينال «شهادة الثورية»، وما أكثر الشباب الذين انتحلوا هذا اللقب دون ممارسته عمليًا، وسلمت الفضائيات بثوريتهم التي صدرت معلومات خادعة وخاطئة.
«الخبير الإستراتيجي» أيضًا كان واحدًا من أبرز المسميات التي رأت النور مع تعدد القنوات الفضائية، وانتشار البرامج الحوارية، ومع تطور تقديم نشرات الأخبار ومناقشة بعض أحداثها قبل الانتقال لما يليها، ظهرت مجموعة من الضيوف كل يقدم نفسه بصفته «خبيرا إستراتيجيا».

«الخبراء» لم يتوقف نشاطهم عند التحليل والتفسير عبر الفضائيات، بل وصلت سفنهم إلى موانئ، فمقالاتهم تملأ صفحات الرأى بالجرائد، والسؤال المطروح الآن: «هل كل من شغل منصبًا سياديًا ثم اعتزل أصبح خبيرًا استراتيجيًا، وهل كل من وجد لديه مزيدا من المعرفة والإلمام بالأحداث الجارية يمكنه أن يلقب نفسه خبيرًا إستراتيجيًا؟»
الآن باتت المطالب المتزايدة، تضافر جهود جميع الجهات المسئولة ذات العلاقة بالعمل الأكاديمى لكشف هؤلاء ومحاسبتهم، واتخاذ وزارة التعليم العالى والمؤسسات المعنية بهذا الموضوع إجراءات للحيلولة دون انتشار هذه «الألقاب الفيروسية» إلى فئات وهيئات أخرى، ويزداد تأثيرهم ونفوذهم في المجتمع، فوقف هذه المهازل يضمن حقوق الباحثين والمثابرين ولا يبخس حقوقهم.
الجريدة الرسمية