مؤتمر شرم الشيخ.. مكاسب ومخاوف
نجحت مصر أمس في التأكيد على أنها ستظل محور العالم العربي والأفريقي، وكسبت تأييدا عربيا وقاريا بالمقام الأول في استدعاء رءوس أموال تضيف إلى خططها الاستثمارية قدرات جديدة، بجانب اعتراف الحضور بأن مؤتمر شرم الشيخ يعنى دعما أكبر لها في محاربة الإرهاب الذي يهدد المنطقة.
ولا يفوت متابع بقاء "الدعم" الخليجي لمصر في هذه المرحلة اختبارا لحكوماتها وقدرة خططها على إنجاز استحقاقات متأخرة عن المصريين عقب ثورتين، خاصة أن "القيود" الدولية التي تفرضها مؤسسات التمويل والبنك والصندوق الدوليين لاستصدار شهادات "الثقة" في الاقتصاد المصري، جعلت الحكومة تسارع بإلغاء منظومة الدعم تدريجيا، والموجه للطاقة والوقود على الأخص، كما أن سوء استخدام المنح والقروض من قبل الحكومة يفرض "قيودا" مجددة على أجيال قادمة.
وربما الاستثمار الخليجي والعربي بشكل عام هو المكسب الأكبر المشترك، الناتج عن ترتيبات ما قبل المؤتمر، ويمثل رسالة قوية للعالم الخارجي ودول أوربا وأمريكا، بشأن إمكانية تطوير أفكار قائمة على المصالح المشتركة، أو استثمارات عربية موحدة تتكامل فيها خبرات وقدرات وثروات دول العالم العربي، في مواجهة تحالفات دولية وعالمية أكدت تفوقها بإعلان قيادات عربية أمس أرقام استثماراتها الجديدة في مصر بعملة "الدولار" الأمريكي.
وجاء قرار رئيس الجمهورية قبيل المؤتمر بساعات، بقانون تعديل بعض أحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997، ليخلق مناخا مواتيا لضمانات مهمة للاستثمار في مصر، مع تولى الهيئة العامة للاستثمار إصدار التراخيص النهائية للمشروعات في مدة لا تتجاوز 15 يوما من تاريخ استصدار جميع التراخيص والموافقات المطلوبة من الجهات المختصة.
يأتي ذلك وسط إعلان قوى اجتماعية وسياسية عن تخوفات واضحة من تساهل حكومات في تعاقدات مستقبلية على مشروعات، ستكون تسوية منازعاتها بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها مع المستثمر أو وفقا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، بخلاف منح الحق للشركات والمنشآت في تملك الأراضى والعقارات اللازمة لمباشرة نشاطها أو التوسع فيه أيا كانت جنسية الشركاء أو المساهمين أو محل إقامتهم أو نسب مشاركتهم، عدا الأراضى والعقارات الواقعة في المناطق التي تنظمها قوانين خاصة أو يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء.
وتستعيد قوى عدة مخاوفها من تنفيذ رؤية وزارة الإسكان لمستقبل إقليم القاهرة الكبرى حتى العام 2050 والذي سبق وأعلنها مصطفى مدبولي الوزير الحالي، حينما كان رئيسا لهيئة التخطيط العمراني عام 2008، وحملت أحلام الحزب الوطني المنحل في مشروعات جديدة على حساب البسطاء من سكان المناطق الشعبية في الإقليم، والذين بدأت خطة إجلائهم بأهم بقاع الإقليم على نيل ماسبيرو وبولاق بالعاصمة، مع احتفاظ كثيرين بتأييد مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وتحفظات البعض على بعض جوانبه.
وبالنظر لخطط وإجراءات الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990، تبدو أحلام المصريين في اقتصاد اشتراكي مبددة، مع تراجع دور الرأسمالية الوطنية لحسابها نموذجها الطفيلي الناشئ فى عهد مبارك، وتتأكد حقيقة مفادها أن كافة مساعي الحكومات المعاصرة والمقبلة، تستهدف الإقلال من أضرار الرأسمالية وجعلها "رحيمة" نسبيا، تعترف بحق الفقير في الخبز والعيش وتوسع الفجوة بينه وبين الغني في الوقت ذاته، تنجز فرصا للعامل متى امتلك قدرته على الكسب وتمنح صاحب العمل بتشريعات جائرة الحق في التخلي عنه، لتظل معدلات النمو المستهدفة في مصر تتجاهل ثبات معدلات الفقر والأمية والبطالة، التي لا تزال الأرقام الحكومية تتحايل على نسبها الحقيقية.
أعتقد أن استعادة الاقتصاد المصري عافيته ترتبط بعودة مصانع وشركات القطاع العام، وخلق مناخ استثماري يوجد سعرا تنافسيا للسلع وليس احتكاريا، ويوازن بين حق المستثمر الوطنى والأجنبي في العمل والكسب، وحق العامل في الاستقرار والمجتمع في حصاد امتيازات معدلات نمو حقيقية.