رئيس التحرير
عصام كامل

وبمواجهة التلميذ انهار واعترف ومات



أكثر ما لفت انتباهى في واقعة قتل التلميذ إسلام شريف، الطالب بالصف الخامس الابتدائي بمدرسة شهداء بورسعيد بالسيدة زينب، أن واقعة الاعتداء عليه ثم نقله إلى المستشفى واستقراره في الرعاية المركزة بانتظار الموت الذي جاءه بعد ساعات، لم يحرك مسئولا بالمدرسة ولا مديرية التعليم أو الوزارة، حتى لجأ والده إلى وسائل الإعلام وتسرب الخبر إلى الصحافة وتحركت على إثره جهات التحقيق لتلقى القبض على المدرس المتهم بقتله، والذي لم أطق النظر إلى صورته.


وربما كان ميراثا من الأذى والابتزاز والاضطهاد لتلاميذ المدارس العامة على الأخص، باعتبارها الباقية نظريا من زمن مجانية التعليم المنهوبة، وراء طريقة تعامل المدرسين الممارسين للعنف الممنهج، وتحايل مديريهم على حقوق النشء وصولا إلى التستر على جرائمهم، فالفلكة والعصا كانتا أسلوب تربية وتقويم وتهذيب كاذب بأيدى المحتالين على أسر التلاميذ والطلاب البسطاء، التي ظلت تسدد فاتورة عنف مدرسين بحق أبنائها، تعاظمت بتجاوز حصيلة مافيا الدروس الخصوصية عشرات المليارات سنويا، ردا على صمت الحكومة تجاه مطالبات بإصلاح العملية التعليمية وعلى رأسها أوضاع المدرس المادية.

إلا أن تلك المافيا، التي أضيفت إليها فئة مدرسي الشوارع، والتي تلوث جدرانها بإعلانات من عينة "هيرودوت التاريخ، ساحر الأوانى المستطرقة، ثعلب الجغرافيا، عاشق اللغة، سقراط المعاصر وصاحب التوقعات المرئية"، شكلت قواعد ومعايير جديدة للتعامل مع النشء، اختلقت معها أسبابا مختلفة لسقوط ضحايا، ليس في امتحانات أو أعمال السنة الدراسية فحسب، بل في الدماء التي تغرق فصول مدارسنا أو تنزف داخل دماغ كل ضحية تفارق الحياة داخل وخارج سلخانات التعليم.

ولك أن تطالع كيف تعامل مدرس متهم من قبل أهالي الضحية لجماعة إرهابية، مع طفل عمره 12 سنة، بعد أن علم بتخلفه عن مراجعة درس أو استذكاره، حسب شهادة أهل الضحية وما تناقلته صحف وفضائيات عن الواقعة، لتتأكد أن توعد الأب للمدرس المتهم بقتل نجله "والله مش هاخلى ولا مدرسة تفتح في المنطقة.. الحكومة عاجزة والقاتل نائم في بيته"، ربما يكون الشرارة لثورة من نوع جديد على عينة يتواطأ وزراء تعليم ضد مواجهتها، عينة يتطابق فسادها الآن وقبل يناير، مع منظومة العادلي التي كانت بيانات الرد على جرائمها بحق ضحايا التعذيب والقتل داخل مقار الاحتجاز، تحمل الأبرياء المسئولية عن سقوطهم غرقى في دمائهم.

ولا تستبعد أن تطور هذه الفئة المجرمة أساليبها في تضليل الرأى العام واستعطافه دفاعا عن أعضائها المتهمين بالقتل، فتصدر لاحقا بيانات من عينة "وبمواجهة التلميذ انهار واعترف بأنه لم يكتب الواجب.. وأخذ يضرب رأسه في الحائط ندما على إهماله حتى مات"، خاصة وأن أساليب التعامل الرسمي الأعلى مع جرائمها لن تزيد في أفضل الأحوال عن تقديم التعازي للأهل وصرف التعويض المالي التافه لهم.

حينما كنا صغارا نواجه هذه العينة السيئة من المدرسين داخل فصول مدارسنا العامة، كانت أسرنا تصر على معاملة هؤلاء كالأنبياء والرسل وتحملنا نحن المسئولية عن ضربهم لنا قبل أن تخضع لابتزازهم، وبمرور السنوات والعقود تغولت تلك الفئة، فحملت شومة القتلة بدلا من عصا التأديب، وحولت مدارسنا إلى سلخانات وقبور، ومعها تأكدت لنا حقيقة أن مسابقات اختيارهم تتضمن دون إعلان، شروط متفق عليها مع وزارة لن تتغير سياساتها بين يوم وليلة، تبدو ملامحها في عنفهم وابتزازهم وبشاعة جرائمهم، أن الأكثر عنفا وابتزازا سيحظى بعقود مميزة بالضرورة، أو بالتعيين الفوري، ولو على حساب معلمين حقيقيين أكثر رقيا وصدقا في أداء رسالتهم.
الجريدة الرسمية