رئيس التحرير
عصام كامل

اغتيال المعلمة هبة الخولي



مر أسبوع ثان على بداية الفصل الدراسي الثاني بمدارس مصر، دون أن تحظى طالبات مدرسة معاذ بن جبل الثانوية بنات بدمنهور، بحقهن في معرفة نتائج تحقيقات مزعومة مع معلم جرى اتهامه بداية الفصل الدراسي الأول بالتحرش بهن، فيما كان مصير المعلمة المبلغة عن الواقعة الأستاذة هبة الخولي، الإيقاف عن العمل حتى انتهاء تحقيق لم يجر معها إلى الآن، والطرد من المدرسة من قبل مديري المنطقة مستعينين بقوات الشرطة.


القضية بالتأكيد لم تحظ باهتمام وزاري أو رئاسي لأن الواقعة، إن تأكدت، لم تأت في مناسبة سياسية كاحتفالات في ميادين عامة بانتخاب الرئيس، كما أن بواطن الأمور دائما ما تحمل إشارات إلى أمور أخرى داخل مؤسسات تعاني خللا في إدارة علاقاتها بالتأكيد، ولا تفلح معه استغاثات لمسئول كبير ولا تنته نتائج تحقيقات فساد مالي أو إداري إلى شيء تذكره لجان في تقاريرها، كما فعلت وزارة التعليم ردا على صرخات هبة الخولي، وأغلق ملف الأزمة المستمرة، قبل أن يختصها من حولها بالمتاعب ردًا على تصريحاتها لإحدى الفضائيات حول واقعة التحرش، والتي لم يستمع خلالها مسئول لأربع ضحايا وفضل شهادات غيرهن، حسب قولها.

رسالة هبة الخولي تشير أيضا إلى تجاوزات في الكنترول بخط يد طالبات مقابل مبالغ مالية تضمن نجاحهن، وإلغاء مادة التربية الموسيقية وإغلاق غرفتها وإهمال إدارة دمنهور التعليمية لها، مقابل ذكر تقارير اللجان الرقابية عكس ذلك تماما، وعدم تحرك وكيل الوزارة إلا لجمع توقيعات زملاء "هبة" على عدم رغبتهم في وجودها بالمدرسة، ردا على تعليقاتها للإعلام عن وقائع تحرش بفتيات ووجود مسئولي أمن "سوابق" بالمدرسة، لتصاب بانهيار عصبي عقب طلب شرطيين منها ارتداء "الكلبشات" أمام الطالبات، قبل أن يعلن وكيل الوزارة في طابور الصباح إبعادها عن العمل بالمدرسة لحين انتهاء تحقيقات حول الواقعة، ونشر قراره على صفحة مديرية التعليم على الإنترنت، لتكون عبرة لكل معلم تسول له نفسه الحديث مع مسئولى الإعلام والصحافة عن جرائم فساد وتحرش أو غيرها تقع بمحل عمله.

في المقابل لم يسمع أحد عن تحقيق جرى مع معلم متهم بالتحرش أو نتائج التحقيقات في شكاوى الضحايا المعترفات بواقعة التحرش واللاتى تم حرمانهن من ممارسة الأنشطة ومعاملتهن بطريقة أكثر سوءا.

تخيل أن الحال كذلك داخل مؤسساتنا التعليمية، تتعلم داخلها الضحايا الصمت تجاه ظلم وقهر تجاوزا حدود القيم والعقل معا، راجع مستوى أداء قياداتها في التعامل المطلوب مع الأزمات وإدارتها والخروج بحلول جذرية حقيقية تحفظ لتلك الكيانات تطورها لا انهيارها، لتكتشف أنك تمنيت بناء دولة مؤسسات، بينما مؤسسات الدولة نفسها يحكمها أهل الفشل، مع استمرار مركزية الحكم واعتبار كل وزير واقعة في محافظة ما، أبعد عن حسابات نجاحاته المسيطرة على محيطه الضيق بالعاصمة.

إن بقاء المعلمة هبة الخولي خارج عملها طيلة هذه الفترة، واغتيالها بإجبارها على "خبط دماغها" في حوائط جدران محاكم خلال إجراءات تتبعها لاستعادة حقوقها، دليل على فساد منظومة التعامل مع العنصر البشري داخل المؤسسات المصرية، التعليمية وغيرها، وتغييب القانون والتحايل عليه لظلم البشر والتمييز بينهم على أساس العلاقات الخاصة وما تتضمنها من شبهات، ولا يتحمل تداعياتها إلا الضحايا المباشرين لغياب أصحاب الضمائر اليقظة عن عالمنا، أجيال جديدة نعلمها الخوف والانحناء والصمت على الفشل، والجريمة أيضا.
الجريدة الرسمية