كرة بلا جمهور.. وانتخابات بلا ناخبين
إذا انتهت التحقيقات في جريمة القتل الجماعى التي وقعت أمام استاد الدفاع الجوى مساء الأحد الماضي على هامش مباراة كرة القدم بين الزمالك وإنبي، إلى لا شيء ودون تحديد متهمين، فلا يعنى قرار حكومة إبراهيم محلب سوى عجزها عن إدارة أصغر تجمع للمواطنين والأفراد وفشلها في تأمينهم أو حتى التعامل مع بعض المشاغبين بينهم.
وإذا كان فشل هذه الحكومة مضاعفا في مواجهة إرهاب جماعة أو تنظيم مسلح مدعوم بقوى استعمارية تسيطر على بقاع حيوية الآن بسيناء، فهذا يعنى أن انفرادها وحدها بمحاربة الإرهاب يعكس تجسيدا لسياسة غبية لا حضور فيها لشعب قام بثورتين ضد الفساد والتكفير والإرهاب النظامي، ولا تستحق هي أن يستكمل معها خارطة المستقبل، لأنها حكومة تحمل أفكارا من الماضى.
ويشير حادث "الدفاع الجوي" إلى إصرار قوي من قبل مدبريه، ومسئولية تحديدهم تقع على جهات التحقيق، على كشف عجز الحكومة قبيل إجراء الانتخابات النيابية، وتأكيد استحالة إجرائها في حضور النسب الأكبر أو قل الطبيعية من الناخبين، خاصة أن الحادث الثاني من نوعه بعد جريمة استاد بورسعيد، يقع أمام استاد تابع لأكبر جهة تستطيع تأمين أي منشآت في مصر، كما يعكس حادث مقتل الناشطة شيماء الصباغ عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي داخل شارع طلعت حرب وسط القاهرة دون تحديد مسئول عنه حتى الآن، فشلًا أعمق لحكومة لا تعرف أجهزتها معنى الأمن الاجتماعى والمجتمعى حتى تطالبها بإنجاز أمن سياسي لمسئوليها الكبار.
ثم يتجدد الفشل بصورة مختلفة في صمت أحزاب ما بعد 30 يونيو على سياسات حكومة محلب وقصر اعتراضاتها على اختيار "مواسم" مناسبة لها، فصمتت تجاه تصرفات غير مسبوقة طالت قوانين الانتخابات التي نشأ حوار حولها، ثم أطلقت أوجه اعتراضها على خوض الانتخابات في الوقت الضائع، لتترك الساحة خالية على حالة من الاستقطاب مجددا بين أنصار جماعة الإخوان وأتباع الحزب الوطني التي استعانت أحزاب غير محدودة بهم، بل قامت على أكتافهم أحزاب ناشئة تجاوزت العشرات، كما لم تشمل قرارات المقاطعة انتخابات المجالس المحلية المقبلة التي ستأتي في ظروف سياسية وتشريعية أسوأ بالتأكيد.
ولو أن أحدا أراد لمصر الظهور كـ"دولة" قبل استدعاء مستثمرين إليها منتصف الشهر المقبل، لما صارت الأمور كما نشهدها الآن، وربما حضر "الصديق" بوتين مواسيًا ومساندًا مدركا لواقع أزمة تحياها مصر بسبب ظروف داخلية وإقليمية ودولية عاصفة، لكن حالة "العشم" بينه وبين النظام لا تسمح له بنصح الرئاسة المصرية باستبعاد حكومة محلب وتنقية اختيارات المحافظين الأخيرة وإنجاز استحقاقات غائبة عن فئات واسعة.
أعتقد أن المخرج الوحيد لإنقاذ سمعة "خارطة المستقبل" ونظامها، هو صدور حكم قضائي بتأجيل الانتخابات النيابية، وقرار رئاسي بإعادة تشكيل الحكومة، واستبعاد المفسدين للحياة السياسية وحملة السلاح من المشهد، ودعم الشباب والمرأة والأقباط والفلاحين والعمال وذوي الإعاقة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وضبط حالة الأمن المجتمعى، قبل التفكير في تنظيم مباراة كرة قدم بجمهور، أو انتخابات نتمناها غير خالية من الناخبين، كما نرجوها خالية من التزوير.