إرهابيون من الدرجة الثالثة
فبعد الثلاثين من يونيو عام 2013 وعزل جماعة الإخوان ومندوبها في الرئاسة من حكم مصر، انقسم المصريون حول الحدث، حتى داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة، فاختار بعضهم قبله وبعده الانضمام إلى جماعة حملت السلاح في وجه المواطنين وأجهزة الدولة، وفرح بعضهم لاستعادة البلاد من أيدي التنظيم الدولي، فيما تباينت مواقف البعض بين رفض أو تأييد فض اعتصام رابعة وسقوط ضحايا مسلحين من الطرفين، أو غير مسلحين، وتصنيف جرائم مستمرة للجماعة بحق الشعب وجيشه وأجهزة الدولة.
فيما استمرت حياة المواطنين تسير باتجاه محاولة إنجاز شيء لمستقبلهم وبلادهم، كل في طريقه وعلى طريقته بغض النظر عن ميله السياسي ومواقفه من نظام الحكم، دون انتباه لخطورة ما تديره وتدبره وتصيغه تقارير أمنية عن أسباب لتعطيل استفادة الوطن من جهده وعلمه ونبوغه، حيث الكفاءة لا تمثل سببًا كافيا لنيل حقه في منصب أو وظيفة ما، بل علاقته بأحد المنتمين لتيار أو تنظيم هي التي توجه مستقبله.
وخطورة اعتماد أوراق النابغين لدى كيانات ما، بعد القبول بتقارير أمنية عن أقاربهم حتى الدرجة الثالثة، تفقد مصر العديد من الكفاءات، وتهدر فرصًا حقيقية للاستفادة بها، وتخلق من ناحية أخرى فراغًا كبيرًا داخل دواوين الدولة ومؤسساتها، يشغله أرباع العلماء وأنصاف البشر، كما تعمق الفجوة بين أبناء الوطن الواحد وتقطع طريق العودة على التائبين بعد خطاياهم، فيما تحصر آمال أجيال بعدهم داخل أضيق الحدود وتحرمهم فرص وحق المشاركة في صناعة مستقبل مصر.
لقد شهدت البلاد صدور قرارات اعتقال لأكثر من 100 ألف شخص خلال 30 سنة هي حكم مبارك، وتمت صياغة ملفات وتقارير أمنية بحقهم وأقاربهم حتى الدرجة الثالثة، حرمتهم حقوقًا أخرى لا علاقة لها بتوجهات ذويهم السياسية والفكرية، ويتعاظم عدد هؤلاء بالتأكيد مع انقسام قطاع من المصريين بعد ثورة 30 يونيو، وانتهازية كثيرين التي تشهدها المراحل الانتقالية والتي دفعتهم نحو دعم جماعات إرهابية لأجل الحصول على المال، فيما تم تصنيف أقاربهم كإرهابيين "درجة ثالثة"، تتم معاقبتهم على خطايا غيرهم.
إن مصر لن تتحرك خطوة مكتملة للأمام دون استعادة هؤلاء الذين يسددون فواتير لم يحصلوا مقابلها على شيء في ماضيهم حتى يدفعوا ثمنه من مستقبلهم، ومن غير المتصور أن تكون "خارطة المستقبل" مشروطة باستبعادهم من بناء وطن، وتكون التقارير الغبية بشأنهم سببًا مستمرا في ابتعادهم إلى أرض ربما يحيا عليها خصوم وأعداء لنا.