علم الجهل
انتشرت في تلك الأيام ظواهر غريبة وهى في مجملها عمليات نصب لا أكثر وإن كانت هي في أساسها كانت فكرة علمية مجرد فكرة لا أكثر ومعظم هذه الأفكار تأتينا من أمريكا وأوربا وهذا سبب رواج تلك الأفكار لدينا في مصر فكل ما يأتينا من الغرب فهو واجب التصديق.
انتشار العشابين واحتلالهم القنوات الفضائية والدجل وبيع الوهم للناس أصبحت ظاهرة لابد من التصدى لها ومن كثرة زبائنهم لم يكتفوا فقط بفتح محال بيع الأعشاب ولكنهم أيضا تجرأوا بفتح عيادات لهم تعالج بالأعشاب بلا تصريح وتحت مسمع ومرأى من الجميع يبعون الموت للناس ويوهمون الناس بأن العلم يتجه حاليًا لترك الأدوية الصناعية وإحلالها بالأعشاب والرجوع إلى الأصل وينشرون سمومهم في الجرائد وعلى كل القنوات ويستشهدون ببعض المرضى الذين شفوا بعد عدد من جلسات الأعشاب.
وأحب أن أنوه هنا أنه إن فرض وكان هناك مريض قد شفى من مرض معين نتيجة تعاطيه بعض الأعشاب فليس هذا دليلًا بأن جميع المرضى سيستجيبون لنفس العشب فلكل جسم طبيعته فربما هناك مريض لديه القدرة على الشفاء الذاتى من مرض معين دون اللجوء إلى تناول أي دواء.
فمثلا هناك أمراض عند أشخاص معينة تشفى عندما يلدغون من ثعبان أو سم نحلة أو دبور فليس هذا دليلًا أن سم الثعابين يصلح لعلاج نفس المرض عند كل الأشخاص.
فلكل زمن وله أطباؤه فعندما كان الناس قديمًا يعالجون بالأعشاب ويشفون كانت الأجواء ليس بها كل هذا التلوث البيئى الذي نعيشه وكان طعامهم ليس به كل هذا الكم من السموم التي نواجهها يوميًا ومع ذلك كانت هناك أمراض مستعصية على العلاج قد اكتشفها العلم الحديث وانتهت تمامًا من حياتنا إذا فندع الدجل جانبا ونبدأ الحياة.
وحديثا طلت علينا واحدة من هؤلاء الدجالين لتقنعنا بعلاج السرطان بالغذاء الصينى ودخلت عيادتها مع أنها لم تكن طبيبة وكان أجر الكشف يتجاوز أربعة مائة جنيه هذا بخلاف جلسات إخراج السموم من الجسم عن طريق جهاز وهمى يضع المريض فيه قدمه لمدة ساعة وأجر الجلسة يتجاوز 500 جنيه.
وكل هذا تجارة للوهم فكل دول العالم تحارب الجهل بالعلم ونحن نُدرس ونبيع علم الجهل في كل نواحى حياتنا بلا أي ضوابط.
فالعالم كله يوظف العلم لنور البشرية ونحن نخلق من النور الظلام ونحارب من أجل إعلاء شأن الجهل والجهلاء.
وأخرون يفتحون العيادات للعلاج بالقرآن وتحت مسمع ومرأى كل الأجهزة المعنية ويظهرون على الفضائيات يوهمون الناس بعلم الجهل المظلم بأنه النور والخلاص. فقد أصبح للجهل علماء وأصبح له مدارس وجامعات وهذا هو الخراب بعينه.
ولو أقنعوك أن هذا يوجد في أوربا وأمريكا أقول لهم ولماذا تركتم كل العلوم وكل هذا التقدم في كل نواحى الحياة عندهم من تقدم في وسائل المواصلات وإنشاء المدن والبنوك والمصالح الحكومية والمستشفيات والطب والهندسة والتأمين الصحى لكل مواطن داخل وخارج الوطن ومستوى معيشة الفرد وفقط أتيتم إلينا بما أخذتم منهم عن طيب خاطر منكم طبعًا وليس رغمًا عنكم كل هذا الدجل.
نعم هناك بعض الناس في أوربا وأمريكا والصين واليابان وكثير من بلدان العالم يمارسون علم الجهل ويبعونه ولكن في المقابل هناك أشياء كثيرة في تلك البلدان من كثرة نورها تجعل العين لا ترى هذه النقاط المظلمة ولا تؤثر في أعمدة الدولة سلبًا ولا في صحة مواطنيها.
ولكن الأمر مختلف عندنا فتلك النقاط المظلمة أصبحت هي السائدة وهى التي حلت محل النور الذي لم نره من عقود فنحن أصبحنا لدينا القدرة على الرؤية في الظلام ويؤلم أعينا نور العلم فبدلًا من أن نحارب الجهل بالعلم أصبحنا ننشر علم الجهل.
ولك الله يامصر وفقط الله وراعك
