رئيس التحرير
عصام كامل

2014.. عام المطابخ الإعلامية الفوضوية بامتياز


قبل أن يودعنا عام 2014، تتجه وسائل الإعلام والصحف والمواقع الإخبارية، إلى إجراء استفتاءات واستطلاعات رأي على "الأفضل" بين الكيانات والشخصيات، وتتباهى مؤسسات بحصدها الألقاب، كما تعلو رءوس أشخاص وتتوارى سيرة آخرين، دون أن يسأل أحد المتابعين والمراقبين لتلك الاستفتاءات ومصادرها، لماذا تبتعد هذه الكيانات الإعلامية والصحفية ذاتها، عن طرح تجاربها للتقييم أمام نفس الجمهور، وكذا أمام القائمين على العمل داخل مطابخها.


واهتمت عدة مؤسسات صحفية وإعلامية، كل وفقًا لقدراتها، بإنشاء وتخصيص وحدات لإدارة الموارد البشرية وربطها بالأداء المؤسسي وناتجه الكلي، كما أنشأت وحدات للجودة كانت مشاركات الجمهور جزءًا من اهتماماتها، إلا أن أغلبها ترك تحليل مضمون ما تقدمه من مواد إعلامية وصحفية، مهمة أساسية لآخرين مختصين بمراكز بحثية وجامعات، يتبعون منهجًا علميا حياديا في التعامل مع المعطيات المتاحة أمامهم.

وربما يدرك أغلبنا أن أكثر القائمين على إدارات الجودة الإعلامية والصحفية بمواقع صحف، ومؤسسات إعلامية وفضائيات، حديث العهد بتخصصه ولا تزيد خبراته به عن دورات عابرة للتدريب وأدلة منقولة ومتداولة، مررتها إليه مؤسسات أجنبية وعربية ومصرية عاملة على تطوير الإعلام ووسائله، حتى إن مهارات بعضهم المزعومة كانت مثارًا للسخرية بين زملائه، بسبب غياب التأسيس السليم لها داخل العمل الصحفي والإعلامي.

لنترك تقييم جودة الأداء والقائمين عليها، للبحث عن أسباب محددة لتلك المؤسسات تدفعها إلى التعاقد مع إعلاميين وكتاب، لا يمثلون أكثر من "عناصر جذب"، وإثارة أحيانًا، لجمهور المشاهدين والقراء، ومعها تتزايد التساؤلات عن مبررات حصول بعضهم على الملايين سنويًا، ولهث الرعاة وراء التعاقد مع برامجهم، ودعم صحفهم بحملات إعلانية، لتبدأ مؤسساتهم رسالة توجيه الرأي العام والتأثير على متلقيها بطريقة غير خالية من أكاذيب حول صلب القضايا الأساسية التي تتناولها.

ثم دعنا من هذه العلاقات "الطبيعية" بين المؤسسات وعناصر الجذب والرعاة، إلى الخوض في تفاصيل، أو قل "أعراض" المطابخ القائمة على تجهيز "الحبكة" وبيع "السلعة" الفسفورية إلى "الزبون"، لنستخرج من أعضائها اعترافات تامة، بأن الشللية والعلاقات الخاصة والولاء لرأس المال الموجه أو السياق العام لسياسات الحكم، كلها أسس تحكم شكل وطبيعة أداء المنظومة الإعلامية والصحفية، ولا تترك مجالًا لإبداع حقيقي غير مرتبط بصانع القرار وحوارييه داخلها.

سل نفسك كم من القضايا المهمة ركز عليها إعلام كهذا وانتزع خلالها استحقاقًا واحدًا لمصريين قدموا أرواحهم فداءً للوطن خلال ثورتين، ثم دقق في وجوه لم تبتعد كثيرًا عن الشاشات، وأقلام لم يجف مدادها المؤيد لمصالح أصحابها ومن يدافعون عنهم، ومتى كان هؤلاء وأولئك منتظمين في أداء رسالة "واضحة" تفهم منها أنهم "مع أو ضد" الحقوق والحريات للكافة دون تمييز، وعلى مسافات متساوية من كافة أطراف المجتمع وقواه دون اتفاق، ثم قدم نفسك مجددًا، ومع نهاية موسم إنجازاتهم "الخارقة" بحقك، "زبونًا" على استطلاعات واستفتاءات تستثني أفعالهم وخطاياهم من التقييم.

أتصور أن عام 2014 يستحق أن يطلق عليه "عام الإعلام المضلل" بامتياز، فتداخلات مؤسسات كهذه مع قضايا مصيرية تمامًا، لم يجن من ورائها المواطنون سوى الخسارة، لحساب شطحات القائمين عليها، مقابل امتيازات حصلت عليها وأقطابها، يشهد نفاقهم للسلطة، مع تغير توجهاتها ورجالاتها، على تعاظمها، في حين لاتزال معارك المستضعفين على جني استحقاقات غائبة كحد أدنى ملائم للدخل، وسكن ملائم للعيش، وعمل لائق لقاء أجر عادل، وتعليم وعلاج جيدين مجانيين، مستمرة وتؤكدها أرقام حكومية يتحايل واضعوها عليها، وربما تتسبب في ثورة جديدة يصنعها نفس الإعلام الغبي الذي سيقتل صاحبه قريبًا لا محالة.
الجريدة الرسمية