قانون لتجريم إهانة الثورة "المستمرة"
قبل أن يفكر الرئيس السيسي في إصدار قرار بقانون يجرم إهانة ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، ويوقف مهزلة تشويه ثوار أطاحوا بفساد حكم مبارك وتسلط وتكفير جماعة الإخوان، عليه أن يتأمل جانبًا من المشهد المصري، ليرصد أسبابًا مستمرة تضمن قيام ثورة مقبلة، أطالبه بتحصينها مسبقًا من الإهانة عبر قانونه الجديد، وإلا فعليه انتظار وصف إجرائه بـ "الإرهاب التشريعي"، على ألسنة من يلعنون حدثين، لم يحصدوا بعدهما استحقاقًا واحدًا ملموسًا.
فشعارات العيش والحرية والعدالة والكرامة، لم تكن نتاج حدث يناير وقتل خالد سعيد والاعتداء على كنيسة القديسين وقبلهما تزوير الانتخابات البرلمانية، لكن المشهد مليء بالأزمات المتزايدة منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وبيع شركات القطاع العام وتسريح عمالها والتوقف عن تعيين الخريجين، والتخلي عن صغار المزارعين لحساب أثرياء الصحراوي الذين شكلوا مع "شياطين" الأعمال، طبقة جديدة من الطفيليين الجدد، جعلت تحديد السعر الاحتكاري الأعلى لكل سلعة قرارًا تملكه وحدها، مقابل أدنى مستوى لمعيشة مواطني العالم الثالث، في بلد يستحق أهله الكثير.
هذه السياسات لا تزال تداعياتها وصمت حكومات ما بعد يناير ويونيو تجاهها، قائمة بالفعل، وتذهب بضحاياها إلى ثورة ثالثة بالضرورة، إذا ما أضيفت إليها "خيالات" الواهمين باستعادة منظومة القهر التي تربوا داخلها على الاستخفاف بحقوق المواطنين في الأمن والكرامة.
ربما القاسم المشترك بين دعوات سياسيين ونشطاء لوقف أو تعديل قانون التظاهر، وطبيعة اعتراضات العمال على سلب حقوقهم، تجعل من الحديث عن قيد حرية التنظيم والتجمهر والتظاهر والإضراب، على ألسنة من لا يرون سوى مسيرات الإخوان في المشهد، أمرًا غير مفهوم أو مقبول ولا يتسق مع واقع جوانب مظلمة في قرارات وتشريعات ما بعد ثورتين، كتصالح مع مفسدين هنا، وقضاء على صرخات ضحايا الإفقار هناك.
البعض يرجع فكرة القانون إلى ملاحقة إعلامي يسب الثوار ويدعم السيسي، أو يهين الرئيس ويعتبر يونيو انقلابًا، كالإخوان بالتأكيد، لكن عمال الحديد والصلب ووبريات سمنود والمراجل البخارية ومصر للألبان وبسكو مصر والمستحضرات الطبية، وفلاحي كمشيش وسراندو، وصيادي عزبة البرج والبرلس، وسكان العشوائيات وصحفيي الميدان الساعين بلا حماية، ليسوا سوى "مادة" دسمة لهؤلاء وأولئك، يستحقون من رئيس الجمهورية حماية ثورتهم المقبلة من الإهانة، حال إصرار حكومته على تجاهل حقوقهم التي تتفق ومطالب يناير ويونيو تمامًا.
ليقرأ الرئيس المشهد جيدًا ويضع هؤلاء على رأس أولوياته، فأوجاعهم تزايدت بعد تبرئة أقطاب نظام مبارك، وتتكرر بفعل إصرار كثيرين على الاحتفاظ بمنظومته التي يملك السيسي هدم أسسها إن أراد، ووقتها سيكون الناجون من مذبحة القيم والأخلاق التي استمرت منذ 40 سنة، خلفه يدعمونه بصدق، لا طمعًا في محاصصة نيابية أو مناصب تنفيذية، وهو يمتلك قرارات وقوانين أخرى تضمن محو أسباب ثورتهم المستمرة أو المقبلة، هم في انتظارها بالتأكيد.