رئيس التحرير
عصام كامل

براءة القرن


أقولها بروح "رياضية" راضية بحكم قضائي، أنتظر نقضه، كي لا تطالني ملاحقات القاضي الجليل محمود كامل الرشيدي، الذي أصدر قراره استنادًا إلى "نص قانوني" وأدلة وقرائن بالتأكيد..، مبروك البراءة لمبارك ونجليه ووزير داخليته ومساعديه وصديقه حسين سالم.

وحظ سيىء للقوى المتلهفة على الإسراع بعملية سياسية بعد 11 فبراير، والتي فوتت على الشعب فرصته في مرحلة انتقالية "حقيقية" تسمح بالقصاص للشهداء، واستعادة الأموال المنهوبة للفقراء، وبينهم "أبناء مبارك" الفرحين بـ"براءة القرن" رغم ملامح أغلبهم التي توحي بتردي أوضاعهم.

"هارد لك" للمهاجمين للقاضي الجليل أحمد رفعت، الذي أصدر حكمه من قبل بالمؤبد ضد نفس الرئيس، استنادًا إلى فعل "الامتناع" عن إصداره أوامر بحماية المتظاهرين وعدم تعريض حياتهم لخطر أسلحة الشرطة، ولمناهضي طبقة النصف بالمائة وزواج السلطة برأس المال ومحاربي منظومة الفساد متعدد الأوجه، الذين خسروا معركة الملاحقة الجنائية عن "الدم" وفشلوا في استعادة "المال".

إن الثورة على نظام مبارك استهدفت استعادة كرامة انتهكتها شرطته، واسترجاع الأموال المنهوبة لدى رجاله، لكن ماذا جنت من أهدافها؟ لا إصلاح لجهاز الأمن حدث حقيقة، ولا أزمات الفقر والمرض والجوع والبطالة والجهل انتهت باستعادتنا الأموال المنهوبة، ربما لغياب القيادة والمنهجية عن فعل الثورة، وسوء تقدير وفهم وإدراك "نخبة" مبارك لحقيقة وطبيعة دورها.

أما إفلات المسئولين عن قتل الشعب أو نهب أمواله، فيعيد التساؤلات حول مواقف قوي رفضت محاكمات الثورة وروجت لأكذوبة استحالة استعادة مصر أموالها المهربة في الخارج حال إنشاء محاكم خاصة لهؤلاء، رغم أن نفس الدول التي تنتعش بنوكها واقتصادياتها بهذه الأموال، غيرت مواقفها من ثورة 30 يونيو واعترفت أنظمتها السياسية بها.

المحكمة حينما تذكر بمنطوق حكمها عبارة "تقاتل على ثروات مصر زمرة من المنتفعين وأصحاب المصالح والمتسلقين، مع تزييف الإرادة الشعبية واندثار التعليم وإهدار الصحة وتجريف العقول المستشرقة للغد"، فإنها تنبهنا إلى معركة مستمرة على الأرض مع هؤلاء، لن تموت بسطور سببها التشريع، ولن توقفها إحباطات "مؤقتة" للمتيقنين من عدالة مطالب هذا الشعب، في العيش والحرية والكرامة.

إن الثورة كحدث اجتماعي، وليس سياسيًا، هو ما نراهن عليه في مواجهة "منظومة" مبارك، التي نتنفس داخل غلافها الجوي ونعيش في حدود نطاقها الحيوي، وإدراك قلة متكاثرة لحقيقتها وأبعادها، هو ما سيعيد إلى المشهد السياسي والقضائي، يناير جديدة، ويونيو جديدة، بروح وعقل مختلفين، ينجزان على الأرض أهداف واستحقاقات المستضعفين، دون رهانات خاسرة.. لننتظر.
الجريدة الرسمية