د. الهلالى: الغوغائيون يسيطرون الآن.. ويسطون على أهل التخصص
أكد د. سعد الدين الهلالى رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الفتوى والدعوة أصبحت الآن أسلحة يستخدمها مدعو التدين لمباركة كلامهم، وقال فى حواره الشامل لـ "فيتو" أن هذا المبدأ هو نفسه المبدأ الذى ابتدعه الخوارج تحت مسمى "الحاكمية لله"، وهو مبدأ لا يتطابق مع المبادئ الديمقراطية أو الإسلامية، لأنهم أضاعوا "الحاكمية لله الحق"، مشيرًا إلى أن الفتوى الآن أصبحت لكل من يشاء، دون معرفة ودراية وتخصص، موضحًا أنه لا بد أن يكون من يفتى حاصلًا على الدكتوراه فى الفقه، حتى يمكنه أن يفتى، وأن تدخل الدين بالسياسة أضر كثيرا بالسياسة، والمجتمع والدين، لأن إصباغ الصفة الإسلامية لأمر من الأمور هو خطيئة كبيرة.. فإلى نص الحوار:
- انتشرت بعض الفتاوى من قبل محسوبين على التيار الإسلامى، خاصة التكفيرية والقتل باسم الدين.. كيف ترى هذه الفتاوى؟
* حقيقة، إن هذه الفتاوى فى المرسل والمطلق فتاوى شاذة، لكننى أحب أن أبين أن الفتوى عبارة عن بيان وإجابة عن سؤال، وقد تكون الفتوى خاصة متعلقة بشخص وبزمن معين، تتغير بتغير الزمن والشخص أو أحواله، فالفتوى عبارة عن حكم خاص لشخص بعينه، لكن ما ذكره بعض الشيوخ من فتاوى عامة، بحكم إلزام الغير بها، ليس فتوى، لكنها افتئات على الغير، والفتوى بصفة عامة لا تكون فتوى إلا إذا طلبتها أنت منى، لكن إذا لم تطلب، وقلت لك أنا من نفسى، فهذا تعد على الحدود وافتئات.
- فى تقديرك.. هل من يقدمون هذه الفتاوى أهل للفتوى؟
* لا بد من التعارف للجميع أنه إذا أراد أحد بيان الحكم الشرعى فى مسألة ما، فعليه التوجه إلى أهل الاختصاص، بمعنى أنه لا بد أن نذهب للمتخصصين فى الفقه، لمعرفة بيان الحكم الشرعى، وهذا أمر متعارف عليه عقليا، فمثلا لو كنت مريضا.. هل ستذهب لمعلم أو مهندس؟.. لا.. ستذهب لطبيب، وطبيب متخصص فى العضو الذى تشتكى منه، لذلك فإن الفتوى لها أهلها، ولها متخصصوها، الذين يفتون فى أحكام هذه المسألة الشرعية، لذلك حتى الفتوى متخصصة، فإن كانت المسألة متعلقة بالمواريث، فهناك مختص بعلم المواريث، وإذا كانت متعلقة بحديث، فهناك علماء الحديث، وإذا كانت مختصة بآيات قرآنية، فهناك علماء التفسير، فالتخصص هو سيد الموقف، ولا يصح بحال من الأحوال مخالفتها، وسؤال غير المتخصص هو ما أضر بالمجتمع، وأضر بالدين، وتم استغلاله استغلالا سيئًا، وأذكر فى ذلك حديث ورد فى البخارى، عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم "متى الساعة، فقال: إذا ضيعت الأمانة، فقال السائل" وما الأمانة يا رسول الله، قال: إذا وصد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة"، لذا أرى أنه إذا سألت غير أهل الاختصاص، فقد ضيعت الأمانة.
- فى ظل هذا الزخم من الفتاوى المتشددة للإسلاميين.. كيف ترى مستقبل الفتوى؟
* أرى أن مستقبل الفتوى سيكون للأفضل بكثير عنما قبل لسببين؛ الأول أن المجتمع أفاق وعرف أن للفتوى أهلا يفتون، والسبب الثانى أن الأزهر بدأ يخرج من جامعته فى تخصصات الفقه والفقه المقارن وأصول الفقه العشرات، بل المئات والآلاف ممن سيعلون كلمة الحق، لكن ما يحدث الآن هو أن الغوغائيين هم من يسيطرون على الموقف، فغير المتخصصين يسطون على أهل التخصص، ويرفعون أصواتهم بتشنج لا بعلم أو فقه.
- وما هى المؤهلات التى يجب توافرها فيمن يفتى؟
* من يفتى لا بد أن يكون معه على الأقل درجة الدكتوراه فى الفقه أو الفقه المقارن أو أصول الفقه والشريعة الإسلامية، ويقدم الفتوى خدمة للمجتمع، واعتراف بفضل الدين، وتيسيرًا لأمور الناس.
- هناك من يقول إن د. سعد الدين الهلالى صاحب مدرسة مختلفة ومبتدعة فى الفتوى.. ما صحة هذا الكلام؟
* هذه ليست مدرستى الخاصة، فهى حقيقة موجودة منذ أن التحقت بجامعة الأزهر فى كلية الشريعة والقانون فى قسم الفقه المقارن فى الستينيات، فبعد إنشاء قسم الفقه المقارن كان منهجه الأساسى أن أعرض آراء الفقهاء بكل أمانة على المذاهب الإسلامية المعروفة فى الإسلام، وعندما أعرض المسألة الفقهية الواحدة، وآراء المذاهب الفقهية فيها، فأنا أضع المذاهب أمام الشخص، وعليه أن يختار منها ما يراه مناسبًا من هذه المذاهب، فهذا واجب منهجى قائم منذ نشأة علم الفقه المقارن، ولم ابتدعه، إذن هذه ليست مدرستى ولم ابتدعها، لكنها قائمة، ولا يزال كل المتخصصين فى الفقه المقارن يعملون بهذا المنهج، وهو منهج علمى، والذين يتهمونى بهذا الأمر هم الأوصياء الذين يريدون أن يصبحوا هم من بيدهم التحريم والتحليل.
- وكيف ترى واقع الدعوة الحالى فى المساجد؟
* واقع الدعوة الآن أليم جدا، خاصة بعد دخول الدعوة فى التخديم على أغراض سياسية، وللأسف الدعوة الآن تمر بأسوأ مراحلها، بسبب عدم التفريق بين الداعية والفقيه، وعلى الداعية أن يعلم أن وظيفته الأساسية هى ترغيب الناس فى دين الله تعالى، وفى الحق والعدل، والبعد عن الفحشاء والمنكر، وليس تنفير الناس، واللعب بأوتار الدين فى أمور تضر بالدين، كأن يقحمها فى الأمور السياسية، لكن لا بد له أن يعرف أن هذه وظيفته، لكن الفتوى والفقه ليس من شأنه، لذلك أقترح أن يكون للمسجد إمامان؛ الأول خاص بالدعوة، والثانى خاص بالفقه، حتى يحدث توازن، ولا نترك الساحة لمن يفتى دون دراية أو فقه أو علم أو اختصاص، وفى رأيى أن السبب فى عدم التوازن فى الدعوة، هو عدم الدراية والإلمام بالإختصاص، فلابد أن يكون هناك مجال للمتخصصين فى العلوم الشرعية والفقهية.
- هل تدخل الدين فى السياسة أضر بالدعوة؟
* بالتأكيد.. لأن المتواجدين حاليًا، والمتحدثين باسم الدين يلبسون تصرفاتهم الزى الدينى، وهو من أخطر الأسلحة التى قد تضر بالدين وبالداعى وبالدعوة وبالمجتمع، واعتبرها خطيئة كبرى، فإدخال الدين فى السياسة أمر خاطئ، ومثال تدخل الدين فى السياسة الحزب الإسلامى، وفى الاقتصاد بـ "الصكوك الإسلامية"، فعندما يصف حزب ما نفسه بأنه إسلامى، فقد آل على الله ألا يحاسبه يوم القيامة، لأنه يرى أن له اسما يغنيه عن ذلك، ويعطى الأوامر على أنها من الله، ومن الإسلام، لكن لن يغنيه هذا الاسم عن محاسبة الله، وإلا لماذا وضع هذا الاسم إلا للتضليل، وكأنك تريد أن تلغى عقولهم وتكسب أفئدتهم بهذا الاسم الإسلامى.
- بمناسبة ذكر "الصكوك الإسلامية" كان لكم رأى مخالف حول تسميتها بالإسلامية.. كيف ترى هذه التسمية؟
* يجب عدم تسمية مصالحنا وأعمالنا باسم "ملبس"، واسم الإسلامى فيه إلباس، بخاصة فى التعاملات الاقتصادية، لأن وصفها بهذا الاسم يعطى إيحاء بأن الله أنزلها، وكأنها مبدأ دينى، لكن هى فى حقيقتها "صكوك استثمارية"، لأن من وضعها مستثمرون، وتخدم أهداف اقتصادية، وقد يختلف الفقهاء فى مدى شرعيتها، كما حدث من الأزهر فى المشروع الذى قدم له، وأبدى رأيه فيه بالمخالفة، فمثلًا الرجل العامى فى الشارع إذا رأى كلمة "صكوك إسلامية"، وأنه سهم إسلامى يشتريه، ويلقى ربه، وهو يقول يارب أدخلنى الجنة، فقد أنفقت كل أموالى فى الإسلام، لا تحاسبنى يارب، وأنا أنفقت فى الإسلام.. فهل وصف هذه الصكوك بالإسلامية يغنى عن سؤال الله تعالى يوم القيامة؟.. لا بكل تأكيد، فهى تسمية ملبسة.
- كان لكم تفسير بأن الأفعال التى تأتى تحت مسمى الإسلام، هى بمبدأ "الحاكمية لله".. كيف ذلك؟
* مبدأ "الحاكمية لله" له تفسير بسيط، يوقع الفرعون، ويوقع هامان فرعون، والمفتئت على الإسلام والمسلمين، فمثلا أنا أخاطب اتجاها دينيا متعصبا، فيقول لى الحكم لله، فأقول نعم، فيقول إذن إفعل كذا، فأقول لا، لأنه بهذا أسقط الحاكمية لله، لأنه أسقطنا وافتئت على بأن أفعل هذا الأمر باسم الحكم لله، فمن يعبر عن كتاب الله إذن، وعن حكم الله، سوى أن تتركنى مع الله، وأتركك مع الله، وأدعك وتدعنى بمبدأ استفت قلبك، وإن أفتوك وأفتوك، فلا تركبنى بالحاكمية لله، ولا أركبك بالحاكمية لله، ومبدأ الحاكمية لله فى الأصل مبدأ خوارجى، وكان أول من نادى بهذا الشعار، هم الخوارج أثناء الحرب بين أهل العراق والشام، عندما قام عمرو بن العاص بالتحكيم، وأقنع أهل الشام بأنهم أقل من أهل العراق، ولا بد من تحكيم كتاب الله، وكانت فكرة عمرو بن العاص، من أجل إنقاذ جيش معاوية من الهلاك، فوضعوا المصاحف على "أسنة الرماح"، ورفض أربعة آلاف جندى هذا الأمر، وسموا بالخوارج، وقالوا إن على هو الأمير بعد عثمان، وهذا حكم الله، ولا حكم الا لله، لكن عندما طلب أهل الشام الحكم، كانوا من وجهة نظرهم أيضا يرفعون شعار الحاكمية لله.
- هناك اتهام للأزهر بأنه أشعرى، والأشعرية أقرب إلى الشيعة.. ما رأى فضيلتكم؟
* الأزهر يدرس الشريعة الإسلامية بكل مذاهبها التى تتفق مع الشريعة، فكون عالم أزهرى يتبع مذهبا إسلاميا معترفا به، فهو عن دراسة وعلم وفقه، لكننى أؤكد أنه ليس أشعريا، لكنه أزهر الشريعة الإسلامية، يدرس الشريعة والفقه والعلوم الإسلامية، بتكوين علمى متزن، ونحن نثق فيمن تكون تكوينا علميا متزنا، أن يكون عطاؤه ثريا.
- أخيرًا؛ إلى أين يتجه الأزهر فى ظل حكم تيار الإسلام السياسى؟
* أعتقد أن الغيب يخبئ خيرا كثيرا للأزهر، لأن الأزهر جامعة وجامع، يتبنى تعليم الفقه والشريعة الإسلامية، ولا نخشى على الأزهر إلا عندما يحابى جانبا أو يحابى نظاما أو يحابى أمرا عن أمر.. هنا نخشى على الأزهر، لكنه سيظل، رغم من يريدون النيل منه، ثابتا على مواقفه، ويحفظه الله تعالى.