رئيس التحرير
عصام كامل

إهمال الآخرين والصورة الذاتية


البعض يدرك إدراكا خاطئا مفاده أن عليك إهمال الآخرين فيما عدا وجود المصلحة وأن عليك إذا أردت أن تحدث لك تأثيرا ينعكس على الناس عليك بإهمالهم والتعالى عليهم وإلا لم يكن لك شخصيه تذكر.

ناقشت هذا المفهوم مع عدة أفراد من ذوى الثقة والتي كان رأيهم فيها أن هذا للأسف هو ما يحدث حتى يكون لك مكانة وهيبة وقيمة أمام الناس لأن الناس لا يقتنعون بشخصية المتواضعين بينهم أو من يعاملوهم بالمثل وأن ما يجذب الناس أن تهملهم طالما لم يمثلوا لك أي نوع من المصلحة المرتقبة.

قد يكون ذلك تأثيره إيجابى بالفعل على الشخصيات التي عانت إهمالا في ماضيهم وعاشوا طفولة مهمشة من الآخرين لأنهم يرون أن ذلك يرد لهم ثأرهم ويعيد إلى أنفسهم قيمتهم المفقودة ويداوى آثار ذلك في بناء الشخصية حتى يستعيدوا الاتزان وإحساسهم بأنفسهم وما لذلك من أثر على الثقة والتأثير الإيجابى في آن واحد.

و قد يظنون أن تأثير الإهمال على الآخرين يترك في أنفسهم أثرا سلبيا حيث يتذكرون بهذا الإهمال نواقصهم والمتعثر من ماضيهم مما يجعلك تسيطر عليهم وتكسر شوكتهم وبدون هذا سيتعالون عليك وستفقد زمام الأمور.

أو أن إهمال الآخرين يثير بداخلهم حب الوصول إليك واجتذاب الاهتمام ورغبة في معرفة سبب الإهمال وهل يعرف الآخرون شيئا سلبيا عنهم إن كان حقيقيا أو غير ذلك ففى الأولى يريدون المعرفة حتى يبرروا وفى الثانية يدافعون.

وقد يثير الغموض اهتمام الآخرين وهو ما يحقق دوافع الفرد في تحقيق أهدافه بمساعدة الآخرين ذاتهم الذين يجدون فيه الرفض وهو ما يتوافق مع نصفهم الرافض لأنفسهم وهو الضد الذي يثير بداخلهم الاهتمام ورغبة منهم في التحدى لإثبات الذات..تحدى يشبه تحدى نصف الرفض في الإنسان إلى نصف القبول.

قال الله تعالى " وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا.. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا " ايه (86) سورة النساء.
نرى في هذه الآية أبلغ صور الرد حيث إن التواضع سمة هامة من سمات الشخصية المتزنة التي تعامل الناس بقدرهم دون تعالٍ أو إهمال وتفتح قنوات الاتصال ذهابا وإيابا وما لذلك من أثره في تحديث الشخصية وبناء التأثير المستدام..هذا التأثير الذي يعتمد على تلاقى الأفكار بدلا من إثارة الاهتمام.

فلا وجود لإنسان استغنى عن الناس إلا في عزله قدرها لنفسه.. والخلاصة أن الدعم الاجتماعى أساس للتوازن النفسى مهما اختلفت مراتب الناس دون تعالٍ أو إهمال ومهما علا شأن الفرد منا أو قل.
الجريدة الرسمية