"فيتو" تنفرد بنشر وثائق جديدة عن حرب أكتوبر.. البنك المركزي يفتح حسابا لتلقي التبرعات.. تدريب الطيارين على أيدي خبراء هنود.. تحديد فصائل دم العاملين بالوزارات.. دعم المستشفيات بكوادر طبية
يصدر قريبا عن دار الكتب والوثائق القومية الجزء الثاني من كتاب "مصر في قلب المعركة "، ويضع هذا الجزء مجموعة من الوثائق المهمة التي يتم الإفراج عنها لأول مرة، والمتعلقة بحرب أكتوبر 73.
وحصلت "فيتو" على بعض الوثائق الخاصة بالاستعدادات لحرب أكتوبر وما بعده، وطريقة تعامل السلطة مع الشعب الغاضب الراغب في تحرير الأرض المغتصبة.
بعد هزيمة 67 كانت هناك ملحمة بطولية في مساندة القوات المسلحة بدعمها ماديا ومعنويا وتدل على ذلك الكثير من الوثائق المحفوظة في دار الوثائق المصرية وما نشر في صحافة هذا الزمن.
وبدأت القيادة المصرية بترتيب أوضاع البيت المصري، وظهر من الأوراق، أن الإدارة المصرية لم تفقد توازنها ولا اتزانها ولا سيطرتها ولم يغب عقلها بسبب ذلك العدوان، وبدأت سريعًا، خطوات ترميم الداخل المصري واستعادة الدور وإعادة بناء القوات المسلحة بسرعة متلاحقة، فالشعب المصري لن يرضى إلا بعودة الأرض كاملة، ومنذ اليوم الأول للعدوان قام البنك المركزي بفتح حساب لتلقي التبرعات لمواجهة العدوان كما تم توحيد جميع حسابات التبرعات للقوات المسلحة في هذا الحساب.
وقامت القوات المسلحة بإعادة كثير من الطيارين إلى صفوف القوات المسلحة بعد أن كانوا تقاعدوا من الخدمة، كما تم التعاقد مع بعض الطيارين الهنود لتدريب الدفعات الجديد من الطيارين المصريين وقامت القوات المسلحة بإعادة بعض الضباط الأطباء الذين عملوا بالقطاع المدني إلى الخدمة للحاجة إليهم.
وبدا أن القوات المسلحة بدأت تستعيد عافيتها ،لذا وافق مجلس الوزراء في 19 يناير 1972 على اقتراح الفريق محمد أحمد صادق نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية في ذلك الوقت على قيام القوات المسلحة بتنظيم زيارات لأفراد الشعب المصري إلى جبهة القتال وبخاصة من الطلبة والطالبات.
ولعل الفريق صادق في ذلك الوقت كان يحاول احتواء مشاعر الطلبة الرافضين لتأخير معركة استرداد الأرض، فقد كانت الجامعات مشتعلة ومطالبة بسرعة الحسم ورافضة لمسميات أطلقها الرئيس السادات تحت عنوان عام الضباب وعام الحسم وغير ذلك، مما كان يعتبره البعض دليل على عجز النظام على القيام بواجبه في تحرير الأرض واستردادها من العدو المغتصب.
وفي نفس اجتماع مجلس الوزراء وفي إطار الاستعداد للمعركة وافق على اقتراح وزير الحربية لقبول تطوع طلاب الجامعات والمعاهد العليا على ألا تقل المدة عن 6 أشهر باعتبارها أقل مدة تجنيد كما تحتسب هذه المدة من الخدمة الإلزامية التي يكفل بها الطالب، ويعامل الطالب معاملة المجندين، ووافق مجلس الوزراء على تنفيذ ذلك اعتبارا من الأول من فبراير 1972.
وتكشف الوثائق عن استعدادات جميع مرافق الدولة للمعركة، ووجه وزير الصحة محمود محمد محفوظ في يناير 1973 استعدادًا للمعركة خطابات لكل الوزراء، يؤكد أهمية أن يقوم كل العاملين بالوزارات بتحديد فصائل دمائهم في بنوك الدم القريبة من أماكن عملهم، لاستخدامها في الطوارئ وقت المعركة، وكانت كل وزارة تنسق مع وزارة الصحة من خلال موظف بكل وزارة يعمل كضابط اتصال مع وزارة الصحة للتنسيق معها في هذا الأمر.
تعويضات الحرب
وأصدر رئيس الجمهورية قرارًا في أبريل 1973 بتشكيل لجنة تعويضات الحرب من وزارات ومحافظات أصابتها الأضرار وذلك لحصر الأضرار وفق ضوابط محددة وواضحة، وعرضها على مجلس الوزراء لإقرار التعويضات، وجعل القرار تبعية هذه اللجنة لنائب رئيس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور عبد العزيز حجازي.
وفي نفس عام النصر وقبل نشوب المعركة كانت الدولة حريصة على تضميد جراح المهجرين من مدن القناة ،واستثنت الدولة أبناءهم من انتظار الدور للتعيين فكانت تقوم بتعيينهم بمجرد تخرجهم، ولذا طلبت وزيرة الشئون الاجتماعية الدكتورة عائشة راتب موافقة لجنة الخدمات بمجلس الوزراء بتعيين أبناء المهجرين الحاصلين على المؤهلات العليا والمتوسطة والذين تخرجوا في 1973.
ورصدت وزارة الداخلية اتجاهات الرأي العام للشعب المصري في 10 أكتوبر 1973 أي بعد نحو أربعة أيام من نشوب المعركة وكان التفاؤل هو السمة المسيطرة عليه في ذلك الوقت إلا أنه كان يتساءل عن دور بعض الدول العربية لماذا لم تتدخل في المعركة إلى جوار سوريا، التي يقوم الجيش الإسرائيلي بتكثيف هجومه على الجولان وضرب العاصمة السورية بالطيران، كما كان يري الشعب المصري أن تأييد الاتحاد السوفيتي والصين وفرنسا للعرب في مجلس الأمن سيحول دون صدور قرار ضد العرب في هذه الحرب.
وعندما قامت الحرب في السادس من أكتوبر 1973 كانت أجهزة الدولة تعمل بتناغم شديد وكانت حريصة على إدارة أمور البلاد بدقة متناهية، فعندما طلبت وزارة النقل دعم ميزانيتها خلال عام 1973 لتنفيذ مشروعات إعداد الدولة للحرب يتعلق بعضها بالقوات المسلحة التي تقوم بمعركة التحرير والبعض الآخر يتعلق بحماية المنشآت الحيوية مثل الكباري بعمل ستائر معدنية لها، وإيجاد مخزون إستراتيجي من قطع الغيار الضروري للوزارة.
وتعامل نائب رئيس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور عبد العزيز حجازي مع الموضوع بحرفية ومهنية تتعلق بإدارة الاقتصاد وقت الحرب ،ووافق على احتياجات الوزارة في ضوء ماهو متوفر لديها وما يمكن أن تنفقه بشكل واقعي خلال الشهرين الأخيرين (نوفمبر وديسمبر) من العام المالي 1973.
ولقد بدا من ذلك أن الوزراء الذين تولوا المسئولية في هذا الزمن الصعب كانوا على قدر كبير من المهنية ومدركين لأهمية الحدث ومعطياته، والسياسات التي يجب اتباعها في تلك الفترة من تاريخ الوطن وأن الفشل في الإدارة قد يؤدي إلى نهاية الدولة.
واتخذت الوزارات المرتبطة باستهلاك الوقود قرارات بترشيد الاستهلاك لأقصى حد ممكن، وعممت وزارة الصناعة منشورًا على جميع المصانع يحدد الاستهلاك للوقود بـ15 يوما وما يزيد عن ذلك يعتبر مخزون دولة ولا يتم التصرف فيه إلا بقرارات وزارية.
واقتضت ظروف الحرب تنويع مصادر تمويلها في ظل ما كان يعانيه الاقتصاد المصري من تسخيره لمطالبات المعركة، فتم تعديل الضريبة على الإيراد بقرار جمهوري في 12 أكتوبر 1973 لتزيد بنسبة من 9% متدرجة إلى 16% لمن يتراوح دخلهم ما بين 1000 إلى 4000 جنيه، كما تم تعديل نظام المعاشات والادخار ليتم اقتطاع 3.5% من إجمالي المرتب أو الأجر الشهري للعامل، وذلك بما يحقق موارد وسيولة مالية للدولة.
وكان صندوق الطوارئ الذي أسسته الدولة المصرية للاستعداد للمعركة مخصصا بشكل شبه كامل لتلبية احتياجات القوات المسلحة، فعندما احتاجت القوات المسلحة لمبالغ عاجلة لتوفير احتياجات المعركة، تم توفيرها في يناير 1973 من صندوق الطوارئ.
وبدا النصر واضحًا للعيان ،واستقبلت القاهرة الكثير من الرسل والمبعوثين للوقوف على ما أنجزته مصر في حربها ضد العدوان ،كما تدفقت فرق العمل وبعض القوات العسكرية من الدول العربية الصديقة، وكذلك بعض الأطباء للمساعدة في دعم جهود وزارة الصحة فوصلت بعثة طبية من الإمارات إلى مصر يوم 15 أكتوبر عن طريق مطار بني غازي، وأغلقت المطارات المصرية عند نشوب الحرب.
ويتعرض هذا الجزء من كتاب مصر في قلب المعركة إلى مفاوضات الكيلو 101 واتفاقية الفصل بين القوات وكيف أنها استغرقت وقتا طويلا بين شد وجذب، لعبت في جميع مراحلها "السياسة" الدور الأكبر وأصبح اتفاق الفصل بين القوات والذي قاده بمهارة الفريق عبد الغني الجمسي وهو أول مراحل الصمود في العمل السياسي لاسترداد الأرض بالطرق الدبلوماسية والمساعي السياسية.
وكان على مصر بعد توقف دوران عجلة الحرب أن تواجه مشاكل جمة لا تقل صعوبة عن العمليات العسكرية ولعل من أخطر هذه القضايا التعامل مع المسرحين من الخدمة العسكرية، الذين تتنوع خلفياتهم الثقافية فمنهم العمال الزراعيين ومنهم العمال ومنهم المهنيين وخريجي الجامعات والكثير منهم ليس لديهم وظائف مدنية وهؤلاء بذلوا الغالي والنفيس حتى أتوا بالنصر ورفعوا اسم مصر عاليا.
وقدر أعداد هؤلاء في مايو 1974 بنحو 177 ألفا كبداية، لذا بدأت كل وزارة بإعادة ترتيب أوراقها ومراجعة ما لديها من وظائف وما يمكن أن تستوعبه ممن تم تسريحه من الخدمة العسكرية بعد اتفاق الفصل بين القوات، وهناك الكثير من الأوراق التي تدلل على كفاءة الدولة المصرية في إدارة هذا الملف الذي نحن بحاجة لقراءته جيدا للاستفادة منه في ما يواجه الدولة المصرية من مشكلة بطالة مرهقة بعد ثورتين.
وكان من أهم المحاور التي اهتمت بها مصر هي مراجعة الذات وتحديد الخسائر بكل دقة في جميع قطاعات الدولة ومن أهم هذه القطاعات وزارة الإسكان والشركات التابعة لها وكانت الوزارة تمتلك شركات المقاولات الكبري التي ساعدت القوات المسلحة في تشييد ما تحتاجه من تجهيزات في معركتها مع العدو الغادر، وقامت هذه الشركات بالمحافظة على كفاءة المؤسسات الخدمية للدولة حتى لا يتأثر المواطن العادي بظروف المعركة.