الرئيس يقرأ.. وإليه المزيد
مصر في حاجة إلى قرار جمهوري جريء بإعادة ملايين السيارات والمعدات والأجهزة، والآلات التي تقف منتهية الصلاحية "نظريًا" في جهات حكومية (وزارات، هيئات، معاهد بحوث، شركات، وغيرها) كونها جاءت على ذمة مشاريع أجنبية، وانتهت هذه المشاريع، دون أن تنتهي صلاحية هذه الآليات "عمليا".
ملايين الأطنان من "الحدايد" وقطع الغيار، تعيش ميتة بقوانين، ومعظم المصريين قد لا يعرفون أن كثيرا من التشريعات المحنطة هي سبب تعاستنا وفقرنا وتخلفنا في مصر، على الرغم من أن التشريعات لم توضع إلا لتحقيق السعادة للبشر.
التشريع أبو التقنين، والقانون حسب تعريف "أفلاطون"، هو "العقل المجرد من الهوى"، أي العقل السليم الذي لا يعاني انحرافًا ولا جُنّة.
ولست أعرف كيف يكون سليمًا عقل كل من تولى حقيبة وزارة المالية في مصر، منذ أكثر من مائة عام، وهو يصر على تنفيذ حكم التحلل والهدر لثروة تقدر بالمليارات، تتجسد في ملايين السيارات والمعدات والأجهزة التي لايزال معظمها يفوح برائحة الـ"فابريكا".
أعرف أن هذه الآلات، أو المعدات، أو الأجهزة، وردت إلى مصر ضمن مشاريع أجنبية تنموية، وتضمنت أوراق دخولها شرطًا غريبًا هو: لا تستخدم إلا في الغرض الذي تم استيرادها من أجله، وتعفى من الجمارك والضرائب أثناء عملها في هذه المشاريع، وخلال مدة المشروع فقط، ولا تتم إعادة بيعها أو تشغيلها في غير الغرض، إلا إذا دفعت الجهات التي استوردتها ما عليها من ضرائب وجمارك، قبل الإفراج عنها للعمل.
وإن كانت هذه تشريعات جيدة ومنطقية وضرورية، لحالات بعينها؛ مثل: الاستثمار الأجنبي، أو الإعفاءات الجمركية لبعض المشاريع الزراعية، أو سيارات السفارات الأجنبية، فليس هناك ما يمنع الاستفادة من الجثث التي سُحِبَت أرواحها منها، فجعلتها شاهدة على مشاريع أقيمت لأغراض تنموية، ثم تحولت إلى وثيقة دامغة على جحود التشريعات إياها.
والسؤال هنا: ماذا لو أصدر السيد رئيس الجمهورية، قرارًا جمهوريًا بإعادة هذه المركبات والأجهزة إلى الحياة، وبالقانون أيضًا؟
سحب هذه الأجهزة من شوارع الهيئات الحكومية ومخازنها، يوفر براحًا، ويخلي أرصفة غاب جمالها تحت أبدان هذه الجثث الحديدية، ومن الممكن حصرها، وإخضاعها إلى عدة برامج، إما لإصلاحها وتأهيلها للعمل، وإما بيع الهالك كـ"خردة".
هذا الإجراء يلزمه استخراج شهادات حياة للصالح من هذه الآليات (75% منها)، وإهداؤها إلى الحكومة، بعد إعفائها من الجمارك، ثم يتم تقديرها ماليًا ليخصم من ميزانيات شراء أشياء مماثلة في هذه الجهات، حيث ما من جهة حكومية، إلا وتضع في ميزانيتها السنوية أموالا لشراء سيارات أو أجهزة أو معدات، قد تكون موجودة في المخازن على ذمة مشاريع انتهت دون أن ينفك لحام غلافها.
هذه الأجهزة تخيف كل وزراء مالية مصر من الحبس، إذا اتخذوا بشأنها أي قرار، لأن عقود إدخالها البلاد، مكتوب فيها بند "ميلة البخت" قبل أن تبدأ عملها، أي: يجب أن تعمل في مشروع محدد، ولمدة محددة، ولا يسمح ببيعها، أو تداولها خارج المشروع إلا إذا دفعت ما عليها من جمارك، ومؤكد أن جماركها الآن أكثر من ثمن مثيلتها "زيرو"..
مطلوب سحب هذه الآليات من شوارع معاهد البحوث، والوزارات والهيئات والشركات الحكومية وساحاتها، ومن الممكن إعادة تأهيلها للعمل، وتوزيعها بقانون أيضا للعمل في مشاريع نائية؛ مثل: شرق العوينات، أو توشكى، أو في مشروع قناة السويس الجديدة.
هذا القرار الذي لن يصلح إلا إذا كان جمهوريا، يوفر مليارات فورية، وإذا تعذر أمر بيعها لجهات حكومية، من الممكن عرضها في مزادات علنية بعد السماح بترخيصها، وتوجيه ريعها لصالح صندوق "تحيا مصر".
barghoty@yahoo.com