رئيس التحرير
عصام كامل

في مثل هذا اليوم.. ميلاد "عبد الرحمن الناصر" صاحب نهضة الأندلس

أحد معالم حضارة الأندلس
أحد معالم حضارة الأندلس - صورة أرشيفية

في مثل هذا اليوم، 22 من رمضان عام 277 هجرية، ولد عبد الرحمن بن محمد، ابن الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي بن هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل، كنيته "أبو المطرف"، لقبه "الناصر لدين الله".

سار عبد الرحمن بن محمد، الملقب بالناصر لدين الله، على نهج عبد الرحمن الداخل المؤسس الفعلى لحضارة الأندلس، فجاهد الكفار وكانت ولايته كلها جهادًا في سبيل الله، وكان لا يمل الغزو في سبيل الله مدة ولايته التي استمرت خمسين سنة، لم يعرف خلالها طعمًا للراحة، فقد وجد بخطه تأريخ قال فيه: أيام السرور التي صفت لي دون تكدير في مدة سلطاني، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا. فعد تلك الأيام، فوجد فيها أربعة عشر يومًا.
كان لعبد الرحمن بن محمد الأموي الذي لقب فيما بعد بالناصر لدين الله وأول من لقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس، الكثير من الفتوحات في الأندلس.

وصارت في عهده الأندلس أقوى مما كانت وأحسن حالا، وساق إليها أنهارا، ونقب لها الجبل، وأنشأها مدورة، وعدة أبراجها ثلاثمائة برج، وشرفاتها من حجر واحد، وقسمها أثلاثًا: فالثلث المسند إلى الجبل قصوره، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، وكانوا اثني عشر ألفًا بمناطق الذهب، يركبون لركوبه، والثلث الثالث بساتين تحت القصور.

وفُتح في عهده فتوحات كثيرة وكان لا يمل ولا يكل من الجهاد في سبيل الله ومن الفتوحات التي تمت في عهده فتح مطونية وكانت سنة 306هـ. 


وكان الأمير الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد يخرج على رأس الجيوش للغزو ومن الغزوات التي كان على رأسها غزاة مويش، والتي كانت في سنة 308، فتأهب لهذه الغزاة يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة 307؛ ثم فصل غازيا من قصر قرطبة حتى نزل بمخاضة الفتح، وقد ورد عليه كتاب من عاملها يخبره بإغارة المشركين من أهل جليقية على ما لاقوه في بسيطهم من الدواب والسوام، ثم تحصنوا بحصن قريب منهم يعرف بالقليعة؛ فأرادوا التغلب عليه. 

ازدهار مدينتى الزهراء وقرطبة
كان من أهم ما يُمَيِّز الناحية المعمارية في عهد عبد الرحمن الناصر تلك المدينة العظيمة التي أنشأها وأطلق عليها اسم مدينة الزهراء، وكانت مدينة الزهراء على طراز رفيع جدًّا، وقد استجلب لها عبد الرحمن الناصر – رحمه الله - مواد من القسطنطينية وبغداد وتونس ومن أوربا، وقد صُمِّمت على درجات مختلفة؛ فكانت هناك درجة سفلى؛ وهي للحراس والكَتَبَة والعمال، ثم درجة أعلى وهي للوزراء وكبار رجال الدولة، ثم أعلى الدرجات في منتصف المدينة وفيها قصر الخلافة الكبير.
وفي مدينة الزهراء، أنشأ عبد الرحمن الناصر قصر الزهراء؛ ذلك القصر الذي لم يشيد مثله حتى ذلك الوقت؛ فقد بالغ في إنشائه حتى أصبح من معجزات زمانه، فكان الناس يأتون من أوربا ومن كل أقطار العالم الإسلامي كي يشاهدوا قصر الزهراء، يقول المقري في نفح الطيب: «لما بنى الناصر قصر الزهراء المتناهي في الجلالة والفخامة، أطبق الناس على أنه لم يُبن مثله في الإسلام البتة، وما دخل إليها قطُ أحد من سائر البلاد النائية والنحل المختلفة؛ من ملك وارد أو رسول وافد، وتاجر جهبذ - وفي هذه الطبقات من الناس تكون المعرفة والفطنة - إلا وكلهم قَطَعَ أنه لم يَرَ له شبهًا، بل لم يسمع به، بل لم يتوهم كون مثله؛ حتى إنه كان أعجب ما يؤمله القاطع إلى الأندلس في تلك العصور النظر إليه، والتحدث عنه، والأخبار عن هذا تتسع جدًّا، والأدلة عليه تكثر، ولو لم يكن فيه إلا السطح الممرد المشرف على الروضة المباهي بمجلس الذهب والقبة، وعجيب ما تضمَّنه من إتقان الصنعة وفخامة الهمة وحسن المستشرف، وبراعة الملبس والحلة ما بين مرمر مسنون.
وهذه مدينة قُرْطُبَة قد اتسعت جدًّا في عهد عبد الرحمن الناصر، وبلغ تعداد سكانها نصف مليون مسلم، وكانت بذلك ثاني أكبر مدينة في تعداد السكان في العالم بأسره بعد بغداد المدينة الأولى، والتي كان تعداد سكانها يبلغ مليونين.

يصف ابن عذاري قُرْطُبَة في هذه الفترة فيقول: «ومما قيل في آثار مدينة قُرْطُبَة وعظمها حين تكامل أمرها في مدة بني أمية - رحمهم الله تعالى -: إن عدة الدور التي بداخلها للرعية دون الوزراء وأكابر أهل الخدمة مائة ألف دار وثلاثة عشر ألف دار، ومساجدها ثلاثة آلاف، وعدة الدور التي بقصر الزهراء أربعمائة دار، وذلك لسكنى السلطان وحاشيته وأهل بيته.


الجريدة الرسمية