عدلي منصور... رئيسًا لمجلس الشعب
تابعت بكل سرور وأسف أيضًا، انشغال النخبة المصرية وبسطائها أيضا، خلال الأسبوع الماضي، بمستقبل المستشار عدلي منصور بعد تسليمه مقاليد الحكم للرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي، الأحد المقبل. ومصدر السرور عندي، توثيق العرفان بالجميل من طرف الشعب المصري للرجل الذي أفرزته المصادفة على وجه المشهد السياسي، في كسر غير متوقع لنظرية أرشميدس الخاصة بالطفو.
فمن الثابت لدينا، أنه حين عم الغرق في مصر خلال الأعوام الـ 32 الماضية، لم يطف على السطح سوى الجثث العفنة، والبيض الفاسد، والزبد الذي سيذهب جفاءً بعد هدوء العاصفة واستقرار الحالة الجوية لبحر السياسة المصرية.
شاهدنا بعيوننا: الصحفي المرتزق الذي "يتقافز" أمام الكاميرات ليصرح بدلا من رئيس الجمهورية، ثم "يغمز" صبيانه بتصميم صفحة على "فيس بوك" ترشحه رئيسًا لمصر، بعد أن سهر الليالي في استديوهات ماسبيرو خلال العشرة الأولى من ثورة 25 يناير، لكتابة الخطابات العاطفية لمبارك، وها نحن شهدنا اختفاءه بعد أن خلعت الريح فسيلته منذ ما يزيد على شهرين، لتحط في جهة غير معلومة.
كما رأينا الأخوين الصحفيين اللذين نصبا نفسيهما عريسين في كل فرح سياسي، وشهيدين في أي مأتم، يتصدران المشهد محمولين على الأكتاف أمام الكاميرات، متجاهلين عمرهما الزمني الذي شيب من رأسيهما الشعيرات الباقية من الصلع، ومتناسيين عمريهما المسجل في سجلات أمن الدولة كأكبر طفلين على موائد الرؤساء العرب.
رأينا أيضا الزوجين اللذين "تصوصو" أنثاه و"ينبح" ذكره، من فضائيتين متوازيتين في مدينة الإنتاج الإعلامي، ومتقابلتين في شقة الزوجية، ومختلفتين على سداد مديونيات المؤسسات الصحفية لكبير العائلة الذي زرعهما في الوسط الإعلامي بعلاقاته العنكبوتية، ودهائه الذي مكّنه من حيازة مقعد الإعلامي المفضل لدى الرئيس المخلوع حسني مبارك، وساعده على أن يكون الشربة الآمنة في معدة الصحفي المنزوع محمد مرسي.
رأينا الكثير من الصور الطبيعية لحالة الطفو التي ظهرت على سطح بحيرة مصر خلال العقد الأخير من التحلل السياسي والأخلاقي والذممي.
لكن الذي لم يكن طبيعيًا، هو ظهور الجوهرة الثقيلة الرزينة الثمينة على السطح، ما يؤكد أن مصر ودعت حالة الغرق بحلول شمس يوم 30 يونيو 2013، حين قرر الفريق، وقتذاك، عبد الفتاح السيسي، وضع نهاية لمخطط هدم مصر، فكان من الطبيعي أن تظهر الدرر الغارقة على وجه أرض تفتحت فيها الزهور على استحياء أيضًا، بين أعواد الهالوك التي نتوقع خلعها من جذورها خلال الأيام القليلة المقبلة من دولة مصر الحديثة.
أما مصدر الأسف الذي اقترن بالسعادة في سطري الأول، فيأتي من الحيرة التي سيطرت على "النخبة" للبحث عن مكان أو مكانة تليق بالرجل الذي أثبت بلا جدال ولا شكل، أن في مصر "مدافع ثقيلة" بحجم عدلي منصور، تجمع بين الرصانة، ورجاحة العقل، وعمق التجربة العلمية والقانونية، ودماثة الخلق، وثقل الخامة الإنسانية المتفردة في قالب شخصي مهيب.
من هنا، أتمنى على الله أن يخوض المستشار عدلي منصور انتخابات مجلس الشعب من دائرة إقامته، أو دائرة عمله، أو دائرة ميلاده، وأظن أنه لن ينفاسه فيها أحد، لأنه لو كان قد ترشح لرئاسة الجمهورية، لحسمها أيضًا من الجولة الأولى، لكنه رشّح أيضًا ما فوضه الشعب.
يليق بعدلي منصور ما يليق بمصر الحديثة، أن يكون رئيسًا لبرلمانها المنتظر، أول مجلس شعب يشكله الشعب بصدق، من خلال انتخابات ستحظى بالقدر نفسه من النزاهة التي حظيت بها انتخابات رئاسة الجمهورية 2014، وذلك في ظل دولة نأمل منها أن تكون دولة الحق والعدل والكرامة، وأظن أن السيد عمرو موسى لن يستكثر عليه ذلك.
barghoty@yahoo.com