شيطان أحمر باسم "هيفاء وهبي"
من السهل جدا قبول ظاهرة الغزو الإلكتروني بفيروس "حلاوة روح" والفنانة اللبنانية الشاملة هيفاء وهبي، لكن الذي لا يمكن تحمله تلك الموجة الشيطانية من برامج المسابقات التي تستهدف تفريغ العقلية العربية من المحتوى الجيد، وتهميشها بعيدا عن قضاياها الرئيسية المتعلقة بالتنمية من خلال التربية والتعليم.
هذه البرامج تعني في المقام الأول تمرير شكل جديد من أشكال الشيطنة التي مسخت شبابنا من المحيط إلى الخليج، بعد بث جرعات عالية من مغريات تزييف الأزياء، وإدخال الصيحات الغريبة على تسريحات الرءوس، وتحريف اللغة العربية الأصيلة إلى لغة هجين اسمها "العربيزي".
والبرنامج الذي أعنيه هنا بالتحديد، هو ذلك الذي يحمل اسم "شكلك مش غريب"، وفيه تتبارى شخصيات عربية على تقليد شكل فنانة معينة أو مطرب معين، بواسطة مستحضرات تجميل شركة فرنسية، اتضح أنها تعاني من ركود منتجاتها الجديدة، خاصة صبغة الشعر حمراء اللون.
مثل هذه الشركات لا تبذل كثيرا من الجهد التسويقي البيعي، خاصة في البيئة اللبنانية التي تنجح في تسويق كل شيء، بعيدا عن النظر إلى قاع الفخ الذي يكنز جوائز مالية مبهرة، لكن دونها اصطياد الأجيال العربية واحدا بعد الآخر، بدليل أن بيوت التجميل العربية في مصر ودول الخليج العربي، تزدحم حاليا بطلبات صبغة الشعر الحمراء "هيفاء وهبي"، لتنجح الشركة في تصريف مخزونها الذي يقدر بما لا يقل عن 500 مليون دولار.
برامج المسابقات أصبحت حاليا هي الأكثر رواجا في الفضائيات العربية، ومن الغريب أن تمر هذه البرامج دون أن تتوقف أمامها جهات مختصة لتقييم الرسالة الإعلامية، أو تدقيق المحتوى الذي يتم تمريره يوميا بما لا يقل عن 70 في المائة من مساحة الهواء الفضائي العربي.
كما أن الغريب أيضا عدم خضوع البث الفضائي لميثاق النشر الصحفي المطبوع، الذي لا يجيز للمطبوعة أن تتجاوز إعلاناتها أكثر من 30 % من مساحتها الورقية، حتى لا تتآكل جرعة التحرير لصالح جرعة الإعلانات.
المهم أن هيفاء وهبي تنافس نجوم الفضائيات من خلال برامج لتسويق تسريحة شعرها، بعد انتهاء برنامج تسويق "انتفاخ" شفتيها، وردفيها، وخديها إلى الشخصية النسائية العربية، للدرجة التي تجد في المناسبة الواحدة أكثر من 50 نموذجا نسائيا لهيفاء، وغيرهن لإليسا، وقليل منهن للرقيقة نانسي عجرم، والمهم أيضا أن يبارك الشكل الجديد المطرب الشعبي المصري حكيم.
أعتقد أن هذه هي المعضلة الحقيقية لمحاولات تمرير اتفاقية "إم بي سي والتليفزيون المصري" التي قسمت المشهد الإعلامي المصري إلى شقين، فلا اللبناني بيير شويري صاحب شركة "ميمز" للدعاية والإعلان، ولا عبد العزيز الإبراهيمي صاحب قناة "إم بي سي"، مشغول بالإضرار بالأمن القومي لمصر، بقدر ما يعنيهما ترجمة تصورات تجارية يمكن أن تغرق ـ دون قصد ـ التليفزيون المصري في موجة من برامج المسابقات الخفيفة، التي تفتح مساحات بيعية جديدة أمام شركة "ميمز"، وذلك على حساب المحتوى الأصلي المنتظر من تليفزيون دولة مصر.
إن هذه البرامج التي غزت الفضائيات العربية منذ أكثر من عشرة أعوام، هي المسئولة بشكل مباشر عن تغيير شكل شبابنا، بالصيحات الجديدة التي تشمل: البنطلون الساقط، والشعر المنكوش، واللغة الهجين التي تتسع على حساب اللغة العربية.
في رأيي، إن حل مشكلة التليفزيون المصري ليس في اتفاقية "إم بي سي"، ولكن في "نفضه" من العمالة الزائدة غير المتخصصة التي أثقلت كاهله، ثم بتحويله إلى مؤسسة وطنية قادرة على المنافسة في مجال الإنتاج الإعلامي ذي المحتوى الذي يليق بمصر والأمة العربية.
barghoty@yahoo.com