بالصور.. «جزيرة الذهب».. «منفى» في أحضان النيل.. مياه الشرب محرمة على أبنائها.. لا توجد بها أي منشأة حكومية.. تمد محافظة الجيزة بـ 60% من الخضروات.. والدولة تتجه لبيع 165 فدانًا من
كان كل شىء نائمًا، غير أن القمر كان مستيقظًا بانتظار مجىء الشمس ليخفي علي استحياء ضياءه معلنًا الرحيل.. وفي الحقول تعانقت قطرات الندي مع الأغصان الخضراء، ففاح عطرًا نشر الدفء في أرجاء «جزيرة الذهب»، تلك البقعة التي احتضنها النيل من كل اتجاه، فافترش أحد عشر ألفًا، هم عدد ساكنيها، بساطًا فوق الأمواج، صار لهم دارًا ووطنًا.. اقتطعوا منه جزءًا شيدوا فوقه بيوتًا من «الطين» غير المهندمة بناءً، ولا الجاذبة شكلًا.. «بدائية» إلا أنها طمأنت نفوسهم، وبعثت داخلها إحساسًا بالسكينة، أعاد الحياة الي قلوبهم التي أنهكها كثرة الترحال بحثًا عن مأوي.
أوقاف المماليك
تتوسط «جزيرة الذهب» نهر النيل، ما بين محافظتي القاهرة والجيزة، وتتبع الأخيرة إداريًا، ويعود تاريخ إنشائها إلي دولة المماليك، حيث تعد من أوقاف السلطان الغوري، وذلك وفقًا لما جاء في كتاب "وقف السلطان الغوري الجامع لأوقافه"، ففي ذلك العهد تبين أنه كان يوجد حتي نهاية الدولة المملوكية وبداية الدولة العثمانية بمصر، جزيرتان تعرف الأولي باسم جزيرة "الصابوني"، والثانية باسم "جزيرة الذهب"، وكانتا تقعان جنوبي جزيرة الروضة في وسط النيل بين ساحلي النيل الشرقي والغربي، ثم اندمجت الجزيرتان في جزيرة واحدة تعرف الآن باسم «جزيرة الذهب».كنز مُدخر
تبلغ مساحة الجزيرة 650 فدانًا، 90 منها ملكًا لوزارة الزراعة تقيم عليها صوبات زراعية، و 180 ملكًا للأهالي، وباقي المساحة ملكًا للدولة.. وقد أدرك الأهالي هناك أن «وطنهم» الصغير الذي ساقه القدر ليجمع شتاتهم، يشبه «المنفي».. فأمواج النيل التي تحيط بهم من كل اتجاه، جعلت السبيل الوحيد للولوج إلي الجزيرة، أو الخروج منها، امتطاء "المعدية"، وهو ما يعني تضاؤل فرصهم في الحصول علي عمل يقتاتون منه، لذلك أتجه غالبية السكان هناك لاتخاذ الزراعة وتربية المواشي مهنة لهم، فخصوبة التربة جعلت الأيادي تتسابق لتشق قلبها مخبئين داخله بذورًا طرحت أشجارها أشهي وأجمل أنواع الخضروات، لتصبح الأرض هي كنزهم الذي ادخره النيل لهم، فـ «جزيرة الذهب» الآن هي المصدر الرئيسي الذي يمد محافظة الجيزة بـ 60% من احتياجاتها من الخضروات، و5 أطنان من الألبان يوميًا.. فيما اتخذ عدد قليل من السكان مهنة الصيد عملًا لهم.فصول الحرمان
تصل نسبة الأمية بين الأهالي إلي ما يقرب من 90%، فالجزيرة لا يوجد بها مدرسة واحدة، ويعزف أولياء الأمور عن إرسال أبنائهم للتعلم في مدارس القاهرة، أو الجيزة، لعدة أسباب من أهمها الخوف عليهم من الموت بعد وقوع عدة حوادث غرق فيها الأطفال بعد سقوطهم من فوق المعدية.وتكتمل فصول حرمان أبناء «الذهب» بعدم وجود أي منشأة حكومية
تخدم الأهالي هناك، فالكهرباء تنقطع في اليوم أكثر من 7 مرات، والخدمات
الصحية منعدمة تمامًا، ورغم أن الجزيرة تتوسط النيل إلا أن مياه الشرب لا
تصل الي الأهالي، مما يضطرهم لاحتساء المياه الملوثة بالصرف الصحي الذي
تصبه في النيل «مواسير» ممتدة من المنازل في ظل عدم وجود شبكة صرف صحي،
وهذا الأمر تسبب في أن تصل نسبة الإصابة بالفشل الكلوي بين السكان هناك إلي
80%.