"وزة" الدكتور نصار!
في الجامعة -وقد تنقلت بين أكثر من جامعة- لم تكن المسافة قريبة بين كليتنا وكلية الطب..كنا نذهب كلما تيسر الوقت إلي الدكتور أحمد ياسين نصار- متعه الله بكل الصحة.. كان الرجل أستاذا بكلية الطب وأحد علماء الكيمياء الحيوية الأفذاذ، ولكنه أيضا كان أمينا للحزب الناصري..
وخلاف كل ذلك تميز بكونه موسوعيا.. يتحدث بطلاقة في كل شيء، وبطريقة محببة تجذب الحضور.. ورغم علمه ونجاحه ظل وإلي اليوم متواضعا رقيقا.. أكثر من معمل تحاليل وجه معظمها لخدمة الفقراء..
لا يعمل في تأليف الكتب أو المذكرات أو غيرها.. وكان لفترة يذهب إلي الجامعة مشيا علي الأقدام أو عبر دراجة عادية حتي أسميناه "غاندي الحركة السياسية".
ولذلك أكثر من تعلمنا منه وأثر في بنائنا الإنساني.. ولذلك كنا نزوره نتعلم منه ونستبين ما غم علينا وما التبس علي فهمنا!
ذات يوم.. وقد ترك لي ولأصدقائي ما يفيد بأنه سيكون الساعة كذا في شارع كذا لزيارة سريعة لأستاذ جامعي آخر.. انتظرناه ووجدناه يقترب بسيارته بصحبة السيدة الجليلة زوجته وكانا يتنافسان في الكرم..
هبط الدكتور نصار من سيارته وبعد مصافحات حارة واعتذار عن لخبطة المواعيد، وارتباكها شرح لي ولصديق آخر أن زميلا في الكلية عنده "واجب" وأنه سيزوره لدقائق حتي يتركه يستريح وأننا علينا أن ننتظره في سيارته حتي يعود..
وما هي إلا لحظات حتي وجدنا "الزيارة" التي يحملها إلي زميله الأستاذ الجامعي.. لم تكن تورتة من محل شهير.. ولا طبق يحمل ما لذ وطاب من اصناف الحلويات الشرقية والتي اشتهرت بها أسيوط وعلي أعلي مستوي..ولم تكن أيضا أكياس من الفاكهة.. بل كانت طيور وطيور حية! تتصدرها وزة من خير الريف المصري ربما وصلت للدكتور نصار من مدينته أبنوب والتي تشتهر بالخير كله!!
أرهقته الأوزة في السيطرة عليها وعندما لمح الدهشة في عيوننا وقد اشتبه بالفنان أحمد مظهر في أحد مشاهد فيلم الأيدي الناعمة توقف ليشرح لنا الموقف مختصرا الأمر بأن مثل هذه الهدايا هي اليوم "الأفيد" لأي أسرة!!
واليوم وبعد سنوات عديدة من الموقف نعترف بأن الرجل كان سباقا بالدعوة إلي تغيير ثقافة زيارة الأهل والأصدقاء.. ليس فقط أن تكون بما يفيدهم وبما يستخدمونه بالطريقة التي تناسبهم وإنما أيضا في التخفيف علي المرضي واختصار وقت زيارتهم!
كل عام وأنتم بخير...