بيروت «وكر الجواسيس».. «بروفايل»
يقول "رونالد بيرند" مراسل صحيفة "الدايلي إكسبرس": أن من أسهل الأمور في بيروت شراء الأسرار الشرقية والغربية على السواء، بملايين الليرات التي تصب في فنادق العاصمة وأبنيتها الأنيقة وحياة الليل الذي لا ينتهي".
تعد بيروت من أكثر العواصم العربية والعالمية التي تشهد أنشطة لجواسيس العالم، وتحوي منذ زمن بعيد محطات مهمة مركزية لعدد من الاستخبارات الغربية والعربية.
فبيروت تعيش دائما ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، في قلب الحرب الاستخبارية، التي انخرطت فيها الأجهزة الأمنية.
منذ احتجاجات 2011 أو ما يعرف بالثورات العربية تشير تقارير إعلامية إلى أن العاصمة الللبنانية تعد مركزا لإنشاء أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها سوريا وحزب الله والموساد، وإيران، وتركيا، وقطر، والمخابرات البرطانية، إضافة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والكثير من الأجهزة الغربية والعربية الأخرى.
وفي عام 1968 كتبت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أن العاصمة اللبنانية بيروت هي العاصمة التي لا تنافسها عاصمة أخرى في الشرق الأوسط من حيث وفرة عدد الجواسيس الموجودين فيها ونشاطاتهم فيما يعرف مجازا بـ"حرب الظل".
أبرز الجواسيس
شهدت بيروت العديد من الجواسيس ولكن هناك من كانت مع انتصارات وجولات ناجحة أذهلت المخابرات المعادية.
فمراسل مجلة "الإيكونوميست" البريطانية "كيم فيلبي" كان من أبرز عملاء الاستخبارات البريطانية "MI6" والسوفيتية في الوقت نفسه، ومراسل صحيفة "كونتيننتالي".
كما يعد رجل المخابرات المصري خيري حماد كان من أبرز من عملوا في بيروت، وقد عمل على نسج علاقات واسعة مع عدد كبير من السياسيين اللبنانيين، ومع ضباط أمنيين في المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية.
وكان حماد يستغل حماسة الشباب اللبناني للرئيس جمال عبد الناصر وللعروبة لتجنيدهم لخدمته ولإنجاح مهمته. وتوصل حماد إلى التعاون مع سائقي التاكسي ونواطير البنايات، والبائعين المتجولين. وقد لفت خيري حماد أنظار الاستخبارات الأمريكية التي حاولت استمالته وإغراءه للعمل معها، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل.
وهناك الجاسوس الإسرائيلي الذي كان مشهورا باسم "أبو الريش" كان مقيمًا في بيروت في الثمانينات وتحديدًا في كوخ خشبي في شارع السادات. "أبو الريش" كان يتظاهر بالجنون والغباء والبساطة والدروشة، يعتمر قبعة عليها ريشة كانت السبب في تسميته بهذا اللقب، وكان يستعطي المارة ويقوم بنقل الأغراض لسكان البنايات.
كان "أبو الريش" موجودًا في منطقة الروشة حتى كورنيش المنارة وكانت علاقته وطيدة مع كل زوار الكورنيش من المتنزهين إلى الرياضيين إلى الباعة وسائقي التاكسي. وأثناء دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت في اجتياح العام 1982، وبعد حصول مجزرتي صبرا وشاتيلا، ظهر "أبو الريش" فجأة بلباس عسكري على حاجز للقوات الإسرائيلية في منطقة بئر حسن، ليتبين أن هذا الشحاذ المخبول هو من ضباط "الموساد" الإسرائيلي، وكان يعرف كل كوادر الأحزاب اليسارية اللبنانية، والمنظمات الفلسطينية.
حلم لكل جاسوس:
وحسب الكاتب سعيد الجزائري، فإن بيروت هي حلم كل جاسوس أجنبي، ليس فقط لمعرفة أسرارها كعاصمة لبنانية، بل أيضًا وفي المقام الأول، لمعرفة أسرار العواصم العربية الأخرى.
وفي بيروت، لمعت أسماء كبيرة لجواسيس من مختلف الجنسيات من "شولا كوهين" إلى أمينة المفتي، وصولًا إلى أحمد الحلاق. وعملاء جرى مؤخرًا القبض عليهم في إطار كشف عدد كبير من الشبكات الإسرائيلية.
بيروت ما بعد 2011
بيروت الآن لا تتخالف كثيرا عن بيوت السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، فهي ما تزال كقطعة شطرنج لكل دولة مربع فيها يحرك وتلاعب بخصومه وفق مساحاته وقدرته.
فعادت المخابرات الإقليمية والدولية لتأخذ من بيروت منطلقًا لتحركاتها فالاستخبارات الفرنسية تنشط عبر جهاز الأمن الخارجي التابع لوزارة الدفاع (D.S.T) والاستخبارات الألمانية والبريطانية والروسية.
ولا شك في أن للاستخبارات الأمريكية حصة الأسد في النشاطات الأمنية في لبنان خصوصًا ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا من خلال تشعباتها وعلاقاتها ومؤسساتها الإنمائية ومن خلال وحدة استخبارية جديدة تسمى (S.S.B)، إضافة إلى جهاز الـ(سي. آي. إي). والنشاط الأمني الأمريكي في لبنان قديم العهد، ولم يتوقف حتى في الحوادث، وإن زال الوجود الدبلوماسي الأمريكي من بيروت لفترة طويلة.
كما تعلب المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني والذي يوؤمن له حزب الله بالضاحية الجنوبية التغطية اللازمة للنشاطة في المنطقة، ويستفيد من تراجع الوجود السوري في لبنان.
أما المخابرات البريطانية فعلاقتها بجميع الأطياف في لبنان واضحة وقوية، وفي مقدمتهم الشيخ السلفي عمر بكري محمد فستق الشهير بعمر فستق.
ففي 2005 أشار رون سوسكيند الصحفي المحقق في صحيفة وول ستريت جورنال الفائز بجائزة بوليتزر، أن مسئولا كبيرا في المخابرات البريطانية، المكتب الخامس "MI5"، أخبره أن بكري عمل كمخبر لفترة طويلة في الخدمة السرية وساعد المكتب الخامس في العديد من تحقيقاته، ويضيف سوسكيند في كتابه "طريق العالم" أن بكري اعترف على مضض بعلاقته مع الاستخبارات البريطانية في مقابلة له في بيروت، ولكن سوسكيند لم يعطِ أي مؤشر على انتهاء علاقة بكري مع المخابرات البريطانية.
ويري مراقبون أن قطر وتركيا لها رجالهما في بيروت بشكل خاص ولبنان بشكل عام، فالمخابرات التركية ليست بحاجة إلى البحث عن حلفاء فتكفي العلاقة القوية بين الجماعة الإسلامية – فرع تنظيم الإخوان في لبنان- والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليكون لهم موطأ قدم في بيروت.
أما السعودية فهي دولة لها ثقلها السياسي والاستخباراتي في المنطقة والعالم، ولها جماعاتها ورجالها في لبنان، وهو ما يحافظ على أوراقها في اللعبة السياسية بالمنطقة.
المخابرات الروسية، تستند المخابرات الروسية، على إرث قوي من الرجال والتابعين لهم في بيروت والوطن العربي، ووفقا للجزء الأول من كتاب "أرشيف ميتروخين"، الذي صدر حديثًا في لندن 2005 عن دار "بنجوين برس" للنشر، عن تفاصيل الحرب الاستخبارية التي شنّها جهاز الاستخبارات السوفيتي سابقًا "كي. جي. بي" في بيروت في الستينات والسبعينات ضد جهاز الاستخبارات البريطاني "إم. آي. 6" الذي يُعرف أيضًا بجهاز الاستخبارات السري "إس. آي. إس".
وفي 1975، أصدر يوري أندروبوف رئيس "كي. جي. بي" آنذاك تعليمات شخصية بإجراء اتصالات مع قادة الأحزاب الشيوعية في سورية والعراق ولبنان في إطار مسعى لتجنيد عملاء عرب لـ"كي. جي. بي". وكانت هذه بداية قوية لعمليات "كي. جي. بي" في الشرق الأوسط.
500 جاسوس
وعن عدد الجواسيس والعملاء التي تعمل في لبنان الآن، قال الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي جبران عريجي لقناة الجديد: لبنان عاصمة الجواسيس في الشرق، وفيه الآن نحو 500 جاسوس لكل الدول، يتولون من بيروت وحولها إدارة معارك المنطقة، لذلك فإن الاستقرار القائم مطلوب كي يستطيعوا العمل بأمان أكثر.