رئيس التحرير
عصام كامل

دهاء الأغبياء


في مصر يُصدمُكَ الأغبياء في كل مكان بتصرفاتهم الساذجة التي يعتقدونها دهاء يجنون به من ورائك أرزاقهم فعندما تذهب إلى مكانيكى لتصليح سيارتك وأنت تعلم جيدأ سبب عطلها الذي عالجته مرارًا وتكرارًا وتعرف ثمن قطعة الغيار ومصنعية تركيبها وخصوصًا عندما يكون العطل من الأعطال المتكررة والمعتادة من وقت لأخر ثم تفاجىء أن المكانيكى يحكى لك قصص وروايات في سيارتك وكم سيعانى ويضيع من الوقت من أجل إصلاحها حتى عندما يأتى وقت الحساب يُصدمُك بطلباته المجحفة الخيالية البعيدة عن الواقع.


ولأنك رجل مهذب ليس لديك وقت لإضاعته في المناقشات البلهاء ترضى بما يقوله لك وأنت تقول في سريرتك أن هذا الرجل نصاب مخادع وتعقد العزم على عدم الذهاب إليه مرة أخرى ويحدث هذا في أغلب الأحيان أمام زبائنه الذين يشاهدون الموقف ويراقبونه عن قرب وينوون في سريرتهم أيضًا عدم اللجوء إليه في مشاكل سياراتهم الكبرى فيخسر زبونا تلو الآخر ويا ويل من يقع فريسة لديه من الزبائن التي لا تعرفه.

وما يجعلك تتعجب أحيانًا أن يكون هذا الرجل من "الصنايعية المهرة" الذي لو ركز في مهنته بأمانة لربح الكثير وراجت تجارته بمهارة يده ولكنه الغباء والكذب الأحمق الذي يعتقدونه أنه دهاء. وعلى الطريق عندما تفاجئك إحدى إطارات سيارتك باحتياجها إلى زيادة ضغط الهواء وتذهب إلى إحدى ورش إصلاح الكاوتش ويا حظك لو كانت إطارات سيارتك من النوع الذي بدون أنبوبة داخلية (تيوبلس) فكنت فريسة صائغة لعامل الورشة الذي يكشف عن الإطارات ويطلب منك إدارة الدريكسيون وبالطبع ستديره ورأسك داخل السيارة وهو جالس أمام الإطار الذي على الفورة يقوم بعمل عدة ثقوب بالإطار من خلال إبرة بيده في ثوان معدودة ثم يقول لحضرتك انظر يا أستاذ الإطار به ثمانية ثقوب ولدى لحام (خابور) أحدهما مصري بسبعة جنيهات والخابور الآخر ألمانى بعشرة جنيهات وهما أصلا صناعة مصرية رديئة جدا والنهاية يكون قد لحم على الأقل خمسة خوابير بخمسين جنيهًا وإذا تكررت التجربة معك وأخذت الخبرة مثلى وقلت للعامل أرجوك لا أحب لحم الخوابير أريدك فقط تغيير هذا الإطار بالإطار البديل (الإستين) فهو في الغالب ما يرفض طلبك ويصر بحكايات بلهاء تجعلك في آخر الأمر مضطرا لأن تقبل أن يسرقك وأنت ليس أمامك إلا أن تقول حسبى الله ونعم الوكيل وتعقد العزم على شراء منفاخ هواء كهربائى يعمل ببطارية السيارة حتى لا تتعرض لتلك المواقف مرة أخرى.

والأمثلة كثيرة على الغباء الذي يعتقد أصحابه أنه دهاء حتى جاء ما نحن فيه أصبحنا جميعا نشك في بعضنا البعض حينما يحتاج منا الآخر فكل منا يفترض في الآخر عدم الذمة والضمير إلى أن يثبت العكس ولم ينتبه الأغبياء أننا أصبحنا فرائس ومفترسات لبعضنا البعض في أن واحد في اليوم فريسة لك أي زبون وأنت المفترس وغدا حتمًا ستقع بين يدى وتصبع فريسة وأكون أنا المفترس وسوف أفترس بلا رحمة.

فالفرائس والمفترسات في عالم الحيوان لهم قانون طبيعى فالمفترس لا يعتدى على فريسته إلا عندما يجوع ويحافظ على فرائسه إن ندرت ويتحمل الجوع حتى يزداد القطيع فهو قانون الطبيعة بينما نحن في مصر كلما شبعنا نجوع ونأكل حتى يأتينا الموت من كثرة ما نأكل ونفترس بعضنا البعض بلا قانون ولا طبيعة تحكمنا.

فهل عالم الحيوان أذكى من عالم الإنسان؟ ألم نتعلم من اليهود الصهاينة عندما كانوا يعيشون معنا ومصانعهم وشركاتهم تملأ مصر مثل صدناوي وشيكوريل على سبيل المثال لا الحصر كم قص علينا أجدادنا عن أمانتهم وصدقهم لا لشيء إلا لذكائهم وعلمهم أن الأمانة والصدق في العمل هو الطريق السهل والممهد للثراء والمجد ياليتنا نتعلم مِن مَن سبقونا أو نتعلم من عالم الحيوان كيف يكون الصدق فلا تنتظروا من يُخرِجَكُم من ظُلماتكم غير أنفسكم أنتم أيها المصرين وممارسة سلوكيات أقوام مارسوا الأمانة في كل شيء وأصبحوا أسياد العالم فلك الله يا مصر.
الجريدة الرسمية