رئيس التحرير
عصام كامل

الفقراء ولاد الكلب أولًا


ليست سخرية أو أكذوبة أن يكون بيننا فقراء من عينة "ولاد الكلب" حسب تسمية أنفسهم لأنفسهم، أو حسب تطبيقات ومتاجرة آخرين بهم، ولا أزمة لدى في اعترافى بأننى أحد أبناء هذه العينة من "الفقراء"، وكثيرون مثلى لم يكن أمامهم فرصة كبيرة في انتزاع لقب أفضل من ذلك ربما لأنهم لا يملكون أدوات الصعود والخلاص من عقدتهم أو قدرهم، باعتبار الفقر في ثقافة كثير من الناس كالقدر.


وعينة الفقراء الذين نالوا لقب "أولاد الكلب" عن قصد أو غير قصد من ذويهم وأهلهم، كانوا يحصلون عليه على سبيل الدعابة والدلع و"الهشتكة"، فحينما كان أبى العامل، أو عمى الموظف البسيط، رحمهما الله، يريد 
أن "يدلعنى"، كان يبتسم في وجهى ويقول "آه يا ابن الكلب"، وحينما كنت أجتاز امتحانات آخر العام، وإن لم أكن أحصل على درجات نهائية بالضرورة، باعتبار حرمان "أولاد الكلب" من ممارسة مواهب ومهارات عادة الطبقات الدنيا مع أبنائها، إلا أن الوصف لم يكن يفارقنى وآخرين مثلى "عملتها يا ابن الكلب وفرحتنا.. عملتها يا ابن الكلب وجبت جون ولبست اللاعيب اللى قدامك كوبرى..!!".

حتى إذا ما فكرت في تنمية مهارة تدعم مسيرتى باتجاه أحلامى، وكانت لعبة كرة القدم التي أجدتها وأشاد فيها بمستواى كثيرون، وسعت أندية غير قليلة لاستمرارى بها، أتى رد فعل الأب صادمًا، "روح يا ابن الكلب شوف مذاكرتك"، بينما رد فعل الأم التي لا تفارق المصلية "الكورة حرام يا ابنى وهاتخليك تمشى في السكة الغلط وتتصور مع بنات وتلبس في الملعب شورت وركبك تبان..!!"، قال يعنى الناس كانت هاتفتح التليفزيون أو جاية الاستاد مخصوص علشان ركبى..!!

وبعد قضائهم على حلمى الشخصى في استثمار موهبتى وإفقادهم إياى ميزة قدمى اليسرى "الطارشة" في تقطيع الشباك، كانت الموجة الثانية للبحث عن مستقبلى على طريقتى الخاصة أيضًا، استثمار حبى للقراءة والاطلاع والبحث عن المعلومة غير المعلومة، في ممارسة مهنة البحث عن القرف والقولون والضغط والعمود الفقرى، والتي لم يكن لى سبيل إليها سوى بوابة الصحف المتبنية مجموعة أفكار تتفق ونشأتى وطبقتى الاجتماعية، صحف ناصرية ويسارية ترفع شعارات "الفقراء أولًا" وتقمعهم داخلها ويأكل أصحابها قوتهم، وهو اختيار لا يذهب إليه سوى أمثالى من "الفقريين ولاد الكلب".

بين أولئك وهؤلاء عايشت من يرى الفقراء مجموعة بشر من الدرجة الترسو يستحقون حالهم، يصدر الشعار للخارج ويباشر به خطاباته في اتجاه عمال وفلاحين "فيهم اللى مكفيهم"، ياقات ملابسهم ماتت من كثرة استهلاك عرقهم لها، بينما هو لا يطيق رؤية فتلة يخرج طرفها من "زرار جاكيتة أمه"، وبمجرد انتهاء أي حشد يهتف له خلاله المضحوك عليهم، وبعد خلاصه من "ريحة اللى خلفوهم"، يهرول بقدميه إلى أشهر كبابجى بشارع جامعة الدول لاستكمال سهرته، وفى نهاية الشهر يأكل رواتب "ولاد الكلب الفقراء" المغضوب عليهم من الحالمين بمهنة الصحافة داخل جريدته.

وبعد سنوات من الأزمات عشتها داخل المهنة، تأتى مصارحة صديق وأستاذ بلغ سن الخمسين، "يا حسين.. أنا اكتشفت بعد ما عمرى جرى منى إن أنا كنت بأتعامل من اللى نحوا على أنى ابن كلب، ولأنى كنت مصدقهم مش لاقى رغيف العيش لأولادى دلوقتى.. شوف لك يابنى سكة تسلك بيها نفسك في اليومين بتوع المرحلة بنت الكلب الانتقالية دى يمكن تعدى وتاخدنى معاك..!!".
لكنه لا يدرى أنه يتحدث إلى "فقرى ابن كلب"، وليس من نوعية "الفقرى الأدارجى" بلغة السوق، أو قل "لغة المراحل الانتقالية" التي تجعل ليبرالى الأمس إخوانى اليوم، وتحول يسارى وناصرى اليوم إلى رأسمالى المستقبل، كنتيجة طبيعية لكروية الأرض، ومع ذلك أرى جميعهم يرفع شعار "الفقراء ولاد الكلب أولًا"، وأرى من يصدق كذبهم.
الجريدة الرسمية