رئيس التحرير
عصام كامل

المتأعلمون والمتأعلمات ( 2 )


في السنوات الأخيرة وخاصة بعد بدء بث القنوات الفضائية الخاصة.. سيطر الإعلان على الإعلام.. وأصبح الإعلام..وخاصة المرئى..مهنة من لا مهنة له.. بل تحول إلى مرتع لمدعى الإعلام من المتأعلمين والمتأعلمات من كل لون وأي لون.. وفُتحت أبواب المحطات على مصراعيها لكل من هب ودب..


ونستطيع أن نقول إن بداية التدهور في الإعلام المصرى بدأت مع تغلغل الوساطة والمحسوبية ودخول غير المؤهلين ثقافيًا وإعلاميًا لهذه المهنة.. ثم تطور الأمر وأصبحت الشللية هي سيد الموقف.. ثم اختلطت المصالح بالمنافع في ظل تنامى دور الإعلان وخاصة في تمويل المحطات الخاصة..

إن أخطر ما صاحب ظاهرة المتأعلمين والمتأعلمات هؤلاء.. هي المصالح أو السبوبة الإعلانية.. فأى من هؤلاء المتأعلمين والمتأعلمات يمكن أن يكون له برنامج على الشاشة إذا ضمن الإعلانات..أو ضمن استضافة ضيوف بلا مقابل.. وكانت هذه " المصالح " هي البوابة الخلفية التي تسلل من خلالها بعض المتأعلمين والمتأعلمات ممن لا يصلحون للشاشة بأى معيار علمى أو مهنى سواء من ناحية خامة الصوت أو طريقة نطق الكلمات أو السلوكيات والتصرفات أمام الشاشة أو مع الضيوف.. ولكنهم فرضوا أنفسهم " بالدراع " والمحطة أو القناة تستجيب إما رغبة في الإعلانات، وإما رغبة في نوعية الضيوف ممن لا يكلفون المحطة مليمًا طالما لا يتقاضون مليمًا أيضًا.. يعنى "سبوبة " للطرفين للمتأعلم أو المتأعلمة وللمحطة أو القناة.. وكلها مصالح.. أما صالح المشاهد فليس له اعتبار وعلى رأيهم " اللى مش عاجبه.. في إيده الريموت كنترول.. ما حدش ماسك إيديه " يعنى بمنطق اللى مش عاجبه يشرب من البحر أو يغير القناة..

لم تعد المادة الإعلامية أو المضمون له أي اعتبار في ظل " حنفية الإعلانات " المفتوحة لأى شىء يجذب عين المشاهد.. ليس مهما ما يُقدم من خلال هذه البرامج.. المهم كمية الإعلانات التي تسبق أو تتخلل أي برنامج أيًا كان محتواه وايًا كان من يُقدمه.. إعلانات لسلع من كل لون.. غذائية.. مساحيق.. فوط.. مناديل..وكأننا في سوق العتبة وليس محطة إعلامية..

وبفضل كوكبة المتأعلمين والمتأعلمات "على كبر " تحول الإعلام المرئي إلى إعلام مسموع.. تحولت معظم البرامج إلى برامج كلامية أو برامج " صوتية " -إن صح التعبير - بلا صورة..وتحول التليفزيون في معظمه إلى راديو..مجرد حوارات.. مناقشات.. كلام في كلام.. وعلى كل لون.. وأي متأعلم أو متأعلمه يتكلم في السياسة وفي الاقتصاد وفي الفن وفي الثقافة.. وفي كل شيء.. ولا " أبو العُريف " في زمانه..

اختفت الصورة وتحولت البرامج إلى مقالات مسموعة.. وصاحب ذلك كل مواصفات المقال المكتوب..كانفراد الكاتب أو المتأعلم بالرأي.. وعرض وجهة نظرة وكأنها الحقيقة المطلقة وما عداها خطأ مع أنها مجرد وجهة نظر..وأصبح المتأعلم أو المتأعلمة يُدافع عن وجهة نظره وكأنه ضيف أو طرفًا في النقاش مع أنه من المفترض وحسب الأعراف الإعلامية العلمية أو المهنية – التي ضربوا بها عرض الحائط وطوله – طرفًا محايدًا لا ينتصر لرأى على حساب آخر..

يقول وجهة نظره نعم ولكن لا يفرضها بل يترك للجمهور الحكم عليها وعلى صوابها أو خطئها في النهاية.. ومن هنا نشأت ظاهرة الصياح والضجيج و" الغلوشة " على الضيف الذي يُعارض وجهة نظر أو رأى المتأعلم أو المتأعلمة.. وتحولت برامجهم إلى مقالات مسموعة أو منطوقة أمام الكاميرات وتصور كل منهم أو منهن أن البرنامج كالمقال فرصة لعرض وفرض رأيه هو، لا لعرض آراء الضيوف.. فتحولت البرامج إلى ساحات للمعارك الكلامية والصراعات السياسية.. وتحولت البرامج إلى تكايا باسم أصحابها من المتأعلمين والمتأعلمات.. وكل منهم أو منهن النجم وصاحب الرأي الأول والأخير والمتحكم في البرنامج بدءًا بمعاونيه وانتهاءً بالضيوف..

لذا إذا أردتم أن تعرفوا أسباب تدنى وهبوط مستوى إعلامنا فابحثوا عن طغيان الإعلانات على الإعلام..ثم المصالح والسبوبة.. ثم الواسطة والمحسوبية.. وكلها وسائل المتأعلمين والمتأعلمات في احتلال الشاشات وفرض " فهلوتهم".. و" ضجيجهم".. و..و "صخبهم" علينا بالعافية وبالدراع..
الجريدة الرسمية