رئيس التحرير
عصام كامل

الزواج الثانى للفئران


لأن المتلهفين على الزواج لا يتعلمون من تجربتهم الأولى، بما فيها من أزمات ومتاعب وإخفاقات وتصدعات وقولون عصبى وشيبة أو صلع، يعتقدون أن الزواج الثانى حلًا لعقدتهم وكارثتهم وخلاصًا من مصيبتهم "الأولى"، وهو تصور لا يراودهم التفكير فيه بنفس الطريقة والأسلوب، إلا الفئران.


ودون مزايدات أو افتكاسات، سألت بالأمس صديقًا يكبرنى بنحو 15 عامًا عن تجربة طلاقه وزواجه الثانى، فجاء رده " نار وجودك وسط عيالك مع زوجة مش طايق شكل أمها، ولا جنة أي مكان آخر حتى مع ملكة جمال العالم التي تموت فيك.. إحساسك بكسرة قلوب أولادك مؤلم جدًا".

وتابع الصديق: "أحل الله الطلاق والزواج الثانى لضرورة ولو عاد بي الزمن ما اخترت إلا الاستمرار مع أطفالى مهما كانت التضحيات، رغم أننى تزوجت الثانية بعد قصة حب أسطورى، لكن هذا الحب يتضاءل أمام نظرة من أبنائى".

واستطرد الصديق "انتقام الزوجة الأولى وأهلها يوجه دائما لإبرازك أمام أطفالك في صورة من تركهم صغارًا من أجل ثانية، حتى إذا ما كبروا يعاملونك كأنك مجرد قريب لهم، أحاسيس باردة ولقاءات بروتوكولية خانقة وصعبة على النفس".

توقف ليكمل صديق آخر يزيد عنى سنًا بأربعة أعوام، "الزواج الثالنى لى أثمر بنين وبنات لديهم شعور بالنقصان أمام غيرهم، وكأنه قصور في هيئتهم وتكوينهم المجتمعى يستمر مؤثرًا في شخصيتهم وتحليلهم لنظرات من حولهم، حتى بعد أن يتحولوا إلى أرباب أسر".

أما ثالثهم فعلق "أخطأت خطأ الفئران تمامًا، بالبحث عن الزوجة الثانية، دون أن أدرك حقيقة خلاصتها فساد العلاقة الاجتماعية الناشئة عن الزواج، لسوء تقديرات المرأة المصرية لها، وكأننى أختار مصيدتى في المرتين بإرادتى، رغم إدراكى أن السم موضوع لى في طعام شهى داخلها".

والرابع كانت له نصيحته "الزواج من ثانية بشرط أن تكون ناضجة، مثقفة، مستقرة ماديًا واجتماعيًا، تجاوزت كل غباوات الأولى ذات التجربة المحدودة، يمثل حلًا مثاليًا".

أما الخامس فأكد أن خنقته سببها "الأشكال الضالة" التي حولت حياته السعيدة مع أولاده داخل بيته، إلى نار ولهب لا نهاية لهما، وأن كارثة الطلاق من زوجته الرقيقة الراقية جاءت لأسباب لها علاقة باستمالة عقلها نحو ما هو سلبى، فتحولت رقيبًا على تصرفاته وأصبحت ترى صوابه جريمة وإنجازه مذلة وإصراره على الصعود بها وأبنائهما مجرد محاولة للثراء لأجل التخلص منها يومًا ما والزواج عليها، فجعلت من أيامه مشقة وحولت حياتها وأهدافها إلى مسار لا جدوى منه ولا نهاية له، قبل أن يختفى من حولها سحرة فرعون ويرددون على مسامعها "اذهبى أنتِ وربك فقاتلا.. والنضال والكفاح في الحياة لوحدك علشان العيال.. حاجة حلوة مفيش كلام".

ربما الجنس غريزة أساسية وضع الله بها حكمته الرامية إلى تعمير الإنسان للكون، ومعها تتكرر تجارب من يعانون نكد زوجاتهم وقرفهن، فيذهبون بإرادتهم إلى أخرى يعيدون معها نفس التجربة الأولى بنفس تداعياتها، وبعد صناعة أزمة جديدة يدخلون أبناءهم في مناخ أسوأ ولا يقبلون تحريرهم من قيود اجتماعية زائفة تسمى "عار طلاق الأبوين".

الحل لن ينحسر في محو ميراث ثقافى يجرم المطلقين وأبناءهم، أو سحق الزوجات النكديات وفقط، أو تحمل نكدهن وتربية الأبناء في مناخ أسرى سيئ، فكلها مقترحات قاصرة لا تصدر إلا عن "فأر" جديد قاصر النظر يفكر في الزواج الثانى... فكروا معى قبل أن تدخلوا المصيدة.. الأولى أو الثانية، فالفئران لا تتعلم من أخطائها، وشهيتها للجبن الرومى ولو كان مسمومًا، تغيب عقولها، ربما لعدم إدراكها أنها تحيا ولا تزال لسبب واحد، وهو أن القطط امتنعت عن التهامها، وباتت تنافسها على نفس قطعة الجبن، غير المسموم بالتأكيد.
الجريدة الرسمية