رئيس التحرير
عصام كامل

عشوأتونا.. (3)


عندما تشكو الحكومة أي حكومة من كثرة المشاكل..و تتعامل معها بمنطق المسكنات فهذا دليل عجز وضعف وعدم قدرة على الرؤية السليمة أو التخطيط للمستقبل..و للأسف الشديد فهذه المسكنات تكلف الشعب المصرى الكثير والغالى على المدى الطويل.. مشكلة المواصلات التي عالجتها الحكومة بمسكنات الميكروباصات والتكاتك..لم تحل المشكلة بل زادتها سوءًا.. وزرعت العشوائية والفوضى في المجتمع.. فأصبحت السلوكيات العشوائية أمرًا واقعًا ندفع ثمنه الآن وسيدفع للأسف أبناؤنا وربما أحفادنا باقى الثمن غدًا..وبعد غد..الحكومات تُخطىء ونحن نسدد فواتير الأخطاء..


للأسف تحولت العشوائية من سلوك إلى منهج حياة سواء للأفراد أو الحكومات.. والسبب الأول والأخير هو أسلوب الحكومات المتعاقبة في معالجة الأمور دون تخطيط أو رؤية مستقبلية ودوى أي دراسة لتبعات مثل تلك القرارات أو الحلول الوقتية العشوائية..

لذا لم يعد خافيًا لما كل هذا التخبط الذي نعيش فيه.. ونعانى من تبعاته..انظروا مثلًا لمشكلة انقطاع الكهرباء التي نشكو منها ليل نهار..ومدى تخبط المسئولين في علاج هذه المشكلة التي تتفاقم يومًا بعد يوم..دون حلول ناجزة.. بل كلها حلول عاجلة مؤقتة.. ولنعد بالذاكرة للوراء لسنوات عندما أطلقت الحكومات إنشاء المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة بلا تخطيط أو رؤية لمستقبل وإمكانيات الطاقة في بلادنا..وعندما أطلقت في الوقت نفسه مواعيد غلق المحال التجارية ولم تعد محددة بمواعيد كما في معظم أو كل بلاد العالم..ساعتها قيل تبريرًا للقرارين..تشجيعًا للعمل وللسياحة.. و.. و.. وتعددت الأسباب..

و لكن انظروا لارتفاع معدلات استهلاك الكهرباء نتيجة هذه المصانع.. ونتيجة عمل الكثير من المحال على مدى 24 ساعة..والأخطر من مشكلة استهلاك الكهرباء الانقلاب والانفلات السلوكى الذي رافق وصاحب عدم تحديد مواعيد لإغلاق المحال التجارية..بعض المحال تسهر حتى الفجر.. وتغلق أبوابها إلى العصر..أليس في هذا عبء على استهلاك الكهرباء طوال الليل..إلى جانب تغير منظومة العمل.. وتدهور سلوكيات البشر (العمل والسهر ليلًا والنوم نهارًا )..

هل هذه هي سلوكيات شعب منضبط يبحث عن زيادة الإنتاج والتقدم..خاصة وأن هذا الانقلاب الزمنى عند حدود المحال.. لم يقف عند حدود المحال فقط.. بل أصبح السهر حتى الساعات الأولى من الصباح.. والنوم حتى ما بعد العصر سلوكًا غالبًا عند الكثيرين.. عمالا وطلبة وحرفيين ومهنيين..مما قلب منظومة الحياة.. وأصبح يوم الكثيرين يبدأ بعد العصر.. بالله عليكم هل هذا حال شعب ينظر للأمام..و هل هذا حال حكومات تسعى للاستفادة من طاقات شعبها في العمل والإنتاج.. وهل هذه حرية شخصية أو حرية عمل أم انفلات وتخبط..

علينا أن ننظر إلى غيرنا من دول العالم كبيرها وصغيرها.. وهل تعانى أي منها مما نعانيه من هذا الانفلات.. وهذا الانفلات السلوكى..وهذا التفكير العشوائى الوقتى.. القائم للأسف على أحد الأمثال الشعبية السلبية المُدمرة "احينى النهاردة وموتنى بكرة " هذا الذي أثر..و يُؤثر تأثيرًا ضارًا على منظومة الحياة نفسها.. وللأسف حكوماتنا لا تنظر للأمام بل تنظر تحت قدميها وتعمل بنفس هذا المثل الشعبى..

لم تفكر في رفع أسعار استهلاك الغاز في المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة بل لجأت لقطع الكهرباء.. لم تلجأ للتوسع في استهلاك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بل لجأت لاستخدام الفحم الملوث للبيئة والضار بصحة البشر والذي ستدفع مقابله تكاليفًا مضاعفة في علاج الأمراض الناشئة عن استخدامه.. أليس غريبًا أنه في الوقت الذي تلجأ فيه أكبر الدول الصناعية في العالم إلى التقليل والحد من استهلاك الفحم.. نلجأ نحن لهذا الحل المدمر.. بل لم تلجأ الحكومة لأبسط الحلول وأسرعها تأثيرًا..

وهو إعادة منظومة العمل إلى سابق عهدها.. وتحديد مواعيد لفتح وإغلاق المحال وغيرها مما قد يُعيد الانضباط إلى بعض ما كان عليه..و لكن الحكومات تتجاهل هذا الحل وبعضها يخاف الاقتراب منه..! لأنه أصبح الآن وبكل بساطة يتعارض مع سلوكيات زُرعت زرعًا في المجتمع وأصبحت معتادة..للأسف الخطأ أصبح عادة..

أي عشوائية وتخبط بعد ذلك أو أكثر من ذلك.. اللجوء إلى حلول غير مدروسة وبلا رؤية واضحة أو واعية.. بل علاج المشاكل بالمسكنات الوقتية التي لا تُفيد بقدر ما تضر..
الجريدة الرسمية