رئيس التحرير
عصام كامل

طه حسين.. الأمل وسط الألم


طه حسين أديب وناقد مصري كبير لقب بعميد الأدب العربي، ومن إبداعاته "الأيام" الذي نشر عام 1929، ولد في الصعيد ودرس في جامع الأزهر والجامعة الأهلية ثم في فرنسا بجامعة "السوربون".

فقد طه حسين بصره منذ كان طفلا صغيرا، تولّى إدارة جامعة الإسكندرية سنة 1943 ثم أصبح وزير المعارف سنة 1950، له العديد من المؤلفات منها (دعاء الكروان ـ شجرة البؤس ـ المعذبون في الأرض)، ومن الأعمال التاريخية (على هامش السيرة)، والنقدية (حديث الأربعاء ـ من حديث الشعر والنثر) والفكرية (مستقبل الثقافة في مصر)، فضلًا عن بعض الأعمال المترجمة.

وقد اعتبر البعض أن كتابه " الأيام "، الذي يعد سيرة ذاتية سخط على واقعه الاجتماعي، خاصة بعد أن عرف الحياة في مجتمع غربي متطور.

ساهم حسين في نقل الإنسان العربي من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية، ومن الظلم إلى العدل، ومن التخلف إلى التقدم، ومن ثقافة الإظلام إلى ثقافة الاستنارة، فهو أجسر دعاة العقلانية في الفكر، والاستقلال في الرأى، والابتكار في الإبداع، والتحرر في البحث الأدبي، والتمرد على التقاليد الجامدة، وهو أول من كتب عن (مستقبل الثقافة) بالحماسة التي كتب بها عن (المعذبون في الأرض)، وبالشجاعة التي تحرر بها من ثوابت النقل البالية، فاستبدل الاجتهاد بالتقليد، والابتداع بالاتباع، وأقام الدنيا ولم يقعدها حين أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي كان بمثابة الاستهلال الجذري للعقل العربي المحدث والحديث في آن واحد.

فقد توصل طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" إلى الكثير من النتائج التي أثارت الجدل، ونقده، والهجوم عليه، الذي وصل حد اتهامه بالكفر والإلحاد، وفي هذا السياق تقدم رجال الأزهر وشيخه بالعديد من البلاغات للنيابة العامة ضد طه حسين، واتهامه بالاعتداء على الدين الإسلامي.

وتم تحويل طه حسين للنيابة، والتحقيق معه، وجاء قرار النائب العام( محمد نور الدين) بحفظ القضية لعدم ثبوت القصد الجنائي من الاتهامات المنسوبة لمؤلف الكتاب، وإنما كان القصد منها البحث عن الحقيقة، وما ورد من المسائل إنما كان بغرض الاستشهاد، لا بغرض الاعتقاد فيها.

وبالرغم من عدم إدانة النيابة لطه حسين، ومن قيامه بتعديل كتابه" في الشعر الجاهلي"، ليكون "في الأدب الجاهلي"، فإن القضية تم طرحها في مجلس النواب والشيوخ، وذلك عند مناقشة قانون الجامعة المصرية، والمطالبة بالحد من اختصاصاتها حتى يمكن تجنب أمثال طه حسين، ممن تصدر عنهم الآراء المنافية لتعاليم الدين. 

وفي3 مارس1932، أصدر وزير المعارف آنذاك، قرارا بنقل طه حسين من الجامعة للعمل مستشارا بوزارة المعارف، مما أثار ردود فعل عنيفة في الوسط الجامعي، إلى حد قيام مدير الجامعة( أحمد لطفي السيد) بتقديم استقالته احتجاجا على نقل طه حسين من الجامعة دون أخذ رأي مجلسها في هذا الأمر.

كما تم اتخاذ إجراءات أكثر ردعا لطه حسين، حيث أصدر مجلس الوزراء وبالاتفاق مع مجلس النواب قرارا( بتاريخ20 مارس1932) بفصل طه حسين من وزارة المعارف، ليكون آخر الإجراءات ضده وليسدل الستار على أحداث تلك القضية، التي استمرت قرابة ستة أعوام منذ إثارتها في عام1926 وانتهت عام1932، بنقله من الجامعة إلى وزارة المعارف، ثم فصله منها نهائيا.

ثم تغيرت الظروف السياسية، حيث عاد طه حسين للجامعة، ويترقي في المناصب، حتى وصل إلى منصب وزير المعارف، فضلا عن احتلاله المكانة المرموقة على الساحتين: العربية والعالمية، كعميد للأدب العربي.

ذاك الرجل الكفيف الذي حير العالم بكتاباته وإبداعاته، ولد في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة (الكيلو) التي تقع على مسافة كيلومتر من (مغاغة) بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط، ضاع بصره نتيجة الفقر والجهل، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلبًا للعلم، وتتلمذ على الإمام محمد عبده الذي علمه التمرد على طرائق الاتباعيين من مشايخ الأزهر، فانتهى به الأمر إلى الطرد من الأزهر، واللجوء إلى الجامعة المصرية الوليدة التي حصل منها على درجة الدكتوراه الأولى في الآداب سنة 1914 عن أديبه الأثير: أبي العلاء المعري.
الجريدة الرسمية