رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا لو لم تلدك أمك يا محمد مرسي ؟!


هل ستصدقون القصة التي سأرويها لكم الآن؟

لا أظن أنكم ستصدقونني لأنها قصة غريبة وتكاد تكون مستحيلة الحدوث، ولكنها بالرغم من ذلك حدثت، وأول ما سيشكك في مصداقية القصة هو بدايتها، فقد جاء لي في حارة درب المهابيل، منذ أيام قليلة، محمد مرسي، نعم محمد مرسي الذي كان ذات يوم رئيسًا لمصر ! والمحبوس حاليا في سجون مصر لارتكابه العديد من الجرائم في حق مصر والوطن، وفي حق الشعب كله، وقد كان وجود هذا الرجل على رأس البلاد لمدة عام كامل من خيبة مصر والمصريين، إذ كيف يكون هذا الرجل رئيسًا لمصر، وهو بهذه البلادة المحاطة بالغباء المتجمع حول مجموعة من البلداء الأغبياء ؟!! ولكنهم يقولون: كيفما تكونون يولى عليكم، ولأننا وقتها لم نكن نستحق غيره لذلك كان هو، وطبعًا ستقولون: وكيف جاء لك يا ناصح وهو محبوس في السجن المحاط بمئات العساكر والضباط من كل لون ؟! هذا هو أول مستحيلات القصة، ولكنني أقسم لكم أنه جاء لي وحده ولم يكن معه أحد، سيقول أحدكم: جاء لك في الحلم، هذا أمر لا غرابة فيه، ولكنني سأقول لكم: لا والله، لقد جاء لي في العلم، كنت مستيقظًا ومنتبهًا وحاورته وحاورني.


سيقول أحدكم: إذن، جاء لك وأنت في قمة الثمالة بعد أن شربت أقداح الجعة اليومية فأسكرتك، ولذلك خدعك خيالك وأوحى لك بهذا.
ولكنني سأقول: لم أكن وقتها قد شربت أي قدر من الجعة ولا حتى بمليم.

ولكنه مع ذلك كله، جاء لي ! وأنا لا أهذى ولا أخرف ولا أهرف بما لا أعرف، وعلى العموم أنا لم يشغل بالي مسألة خروج مرسي من السجن وتجوله في بعض الأماكن سرًّا، فلعل هذا من الأمور المقصودة من أجهزة الأمن، ولعلهم كانوا ينتظرونه خارج الحارة، إذ أين سيذهب منهم، المهم أنه جاء لي وهو يحمل طلبًا أخذ يلحف في الرجاء فيه، وكان شديد الإلحاف حتى أنه كان يحمل معه لحافًا لمزيد من تأكيد الإلحاح والإلحاف، أما ما هي تلك المسألة التي كان يرجوني فيها فقد كانت كالآتي:

قال لي محمد مرسي: أصبحتُ الآن متهما يا أبو يكح، وقد كنت من قبل رئيسًا، وقد عرفت من بعض المساجين أنك تجيد السحر وفك الخط وضرب الودع ومعرفة الطالع، وأريد أن أعرف منك نهايتي، ما الذي سيحدث لي ؟

قلت له: والله يا أخ مرسي من قال ذلك فقد خدعك، فأنا لا أعرف هذه الأشياء التي ذكرتها، ولكنها لحظات تنجلي فيها روحي، فتنكشف لي بعض الحجب، فأعرف بعضا من الغيب، والله يؤتي العلم من يشاء من عباده، حتى أنني لا أعرف كيف حضرت لي هنا وأنت من عباد الله المحبوسين في سجن داخل سجن، فهل أنت جني ابن جني ؟!

قال مرسي: حتى الجني يا جوسقي لا يستطيع أن يخرج من محبسه في القمقم، إلا إذا دعك أحدهم على الفانوس السحري، ولكن الإدارة العليا في البلاد ساعدتني في مسألة الخروج المؤقت لتجيب لي على سؤال مهم.

قلت له: وما هو ؟

قال: بما أنك تستطيع التنبؤ، فأود أن أسألك، على أن تصدقني القول، ماذا لو لم تلدني أمي، ترى من ذا الذي كان سيحل محلي في حكم مصر في العام الذي قضيته، إذ إن هذه المسألة أصبحت تؤرقني إلى درجة كبيرة.

قلت له، وأنا أهدهد مشاعره الحيرى: سؤالك مهم جدًا، يا رجل، بل إنني أعتبره أهم سؤال يمكن أن يسأله واحد من الناس في هذه الظروف، ولعله من المناسب أن يكبح كل واحد منا، يا أخ مرسي، جماح نفسه، ويسعى إلى وأد غطرسته بأن يسأل نفسه هذا السؤال الذي قد يبدو محرجًا بعض الشيء، إلا أننى أظن ـ متفقًا معك ـ أنه من الأسئلة الضرورية.. ماذا لو لم تلدك أمك؟ أو بصيغة أفضل: ماذا لو قضيت نحبك في طفولتك أو في ميعة الصبا، إن كانت قد مرت عليك طفولة أو مر بك صبا جدلا؟

ترى هل كان شيء سيتغير في الحياة ؟ حتى لو كنت في عين نفسك أو في عين الناس أحد العباقرة، أترى كان التغيير سيصبح كبيرًا أو ملفتًا ؟

قال مرسي وهو يهز رأسه: أنا أريد أن أسأل تحديدًا عن ذلك الذي كان سيحل محلي في حكم مصر.

استطردت في الكلام وكأنني لم أستمع لسؤاله: ترى، يا أخ مرسي، لو لم يكن هناك “أديسون” مخترع المصباح الكهربائي أو “نيوتن” العالم الكبير، أو الرسام “ليوناردو دافنشي” أو عالم العلماء “أينشتين” هل كان الكون سيتوقف عن مسيرته؟ وهل كانت دقات الساعة ستقف منتظرة حلول هؤلاء العباقرة الأفذاذ ؟.

تجاوب معي مرسي وسألني: هه.. ما الذي كان سيحدث ؟!

قلت: الواقع يقول أبدًا كانت الدنيا ستسير في مسارها الطبيعي، نعم قد يتأخر المصباح الكهربائي بعض الشيء، ولكن مما لا شك فيه أن الله كان سيلهم عالمًا آخر كى يصل إلى مثل هذا الاختراع، وأظن أن علماء الإخوان في عهدك الميمون استطاعوا تطوير المصباح الكهربائي، فتحول المصباح إلى قنبلة زمنية تنفجر بعد مرور يومين من التركيب، حيث يتحول زجاج المصباح إلى بودرة تنتشر في كل أرجاء المكان هذا لو أضاء المصباح أصلًا !!

أومأ برأسه علامة الموافقة، وأشار لي، كأنه ملك يريد أن يستمع لآخر الحديث، فقلت: أما الجاذبية وما ترتب عليها من آثار واختراعات واكتشافات أفادت البشرية، فحتمًا كان من المقدر أن يصل أحد البشر إلى فكرة الجاذبية إن لم يكن هناك “نيوتن” ونحن نتفاخر باعتبارنا أصل الحضارات بالسبق إلى مسألة الجاذبية هذه، إذ إن نيوتن كان مقلدًا لجماعة الإخوان في عهدك.

رد مرسي متعجبا: نيوتن قلد الإخوان ! كيف هذا ؟!

قلت: نيوتن في الحقيقة لم يكن مكتشفًا لشيء، غاية ما في الأمر أنه لاحظ قدرة رجل الأعمال الإخوان، خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما، على جذب أموال مصر إلى خزائنهم الخاصة– وإلى حساباتهم في بنوك أوربا – كما أن نيوتن كوَّن نظريته من خلال قدرة جماعة الإخوان على جذب أصوات الناخبين بالأموال التي تم جذبها من البنوك، وزجاجات الزيت والسكر التي تم جذبها من مخازن وزارة التموين، لذلك أصبح يشار إلى رجال الإخوانى بأنهم “الرجال الجذابون”، وكنا نستطيع بكل بساطة وقت حكمك يا أخ مرسي أن ننادى عضو البرلمان بدلًا من “العضو المحترم” بعبارة “يا راجل يا جذاب أنت بتجذب ليه”

قال مرسي: وهل هناك معنى آخر للجاذبية استفاد منه نيوتن ؟

قلت له: أي نعم، ذلك أن المعنى العلمي الدقيق للجاذبية الذي توصل إليه علماء الإخوان الأفذاذ هو جذب النواب جذبا من أقفيتهم كي يوافقوا على ما يريده مكتب الإرشاد، وهكذا رأينا حسام الغرياني وهو يجذب أعضاء الدستورية كي يوافقوا على ما كانوا يرفضونه بأمر المرشد.

وبذات المنطق أخذت أقول لمحمد مرسي: دعك أيضا من نظرية “أينشتين” فإذا كان هو قد ابتدع للعالم نظرية النسبية فقد طبقها الإخوان بصورة أفضل.

انتشى مرسي وقال لي: كيف ذلك ؟

قلت: عندما قامت مظاهرات الشعب ضدك وكانت سلمية طلب المحلل الخاص بكم عالم النسبية الكبير سليم العوا تطبيق حد الحرابة على من يخرج من الشعب في مظاهرات لأنهم يهاجمون الشرطة ويقطعون الطريق، وبعد أن انتهى حكمك وخرجت جماعتك في مظاهرات قتلت فيها من قتلت وحرقت وقطعت الطرق وأحرقت الجامعات، خرج علماء النسبية الإخوان ليطالبوا بحرق سيارات الشرطة لأنها تتصدى لمظاهرات الإخوان !!

تنحنح مرسي ثم قال: ولكنني أريد أن أعرف، ماذا لو لم تلدني أمي، ما الذي كان سيحدث ومن هو الذي كان سيحكم مصر في العام المنصرم.

قلت له: نعود إلى السؤال الشخصى يا أخ مرسي، ماذا لو كنت حضرتك لم تكن أصلًا ؟ أي لم تلدك أمك ؟ الحقيقة يا أخ مرسي كنا وقتها سنقيم لأمك حفلا عظيما ونجعلها الأم المثالية على مستوى العالم لأنها لم تلدك، أما الذي كان سيحكم مصر لمدة عام بدلا منك فإنه طبعا نفس الذي كان يحكمها وأنت موجود.

قال: تقصد أنني أنا الذي كنت سأحكم مصر ؟

قلت له: لا طبعا، سواء ولدتك أمك أم لم تلدك، فمكتب الإرشاد كان هو الذي سيحكم مصر، حكمها من خلالك وكان سيحكمها من خلال غيرك «يا روح الحاجة»
الجريدة الرسمية