رئيس التحرير
عصام كامل

عشوأتونا.. ( 2 )


السكوت على الخطأ ليس خطأ.. بل خطيئة وجريمة حين يكون لغير وجه الله بل لوجه المصلحة والمنفعة.. انظروا لهذه الظاهرة الجديدة "التوك توك" وما نتج عنها من سلوكيات فوضوية عشوائية.. صبية صغار السن بل أطفال يقودون هذه "التكاتك".. بلا رخصة أو ترخيص..  كلاهما "مُخالف" السائق والمركبة.. ومعظمكم تعرفون بل وتُعانون من أن يقود طفل مركبة صغرت أم كبرت.. هل تم أو يتم هذا بعيدًا عن أعين الحكومة.. إن كانت تعلم وتسكت فهذه مصيبة.. وإن كانت لا تعلم بما يجرى ويحدث في شوارعنا فهذه كارثة.. كارثة أن تحكم وهي لا تدرى.. فإن كانت لا ترى هذه الفوضى وهي واضحة للعيان فكيف سترى وتردع ما يتم في الكواليس والمكاتب المغلقة من مظاهر فساد وإفساد.. !



اثنان ونصف مليون "توك توك" في شوارع مصر..  تكاثرت في الشوارع كما تتكاثر الأرانب..  ولم يعد وجودها قاصرًا على الشوارع الداخلية بل وبعد 25 يناير وفي إطار الانفلات الأمني.. خرجت هذه "التكاتك" كالجراد إلى الشوارع العمومية.. وفرضت نفسها على المرور.. وكل ذلك يتم تحت سمع وبصر رجال المرور للأسف..  

لقد تغاضت الحكومات عن هذه "التكاتك" سواء قبل السماح بترخيصها أو بعد تقنين أوضاعها.. حتى أصبح لدينا الآلاف..  ومئات الآلاف من الأسر التي رتبت حياتها ومعيشتها عليها كمصدر دخل.. شرعى أو غير شرعى ليس مهمًا..  فالعشوائية لا تعرف ولا تعترف بأى شرعية أو قانون..

الحكومات بتغاضيها أو تعاميها عن المشاكل الصغيرة مسئولة عن استفحالها ووصولها إلى مرحلة الكوارث..  وبالتالى مسئولة عما أصابنا ووصلنا إليه من عشوائية وفوضى.. ليس فقط في موضوع الميكروباصات أو التكاتك..  فهذه عينة واضحة لكل ذى عين ترى..  ولكن الحكومات لسوء حظنا لا ترى..  

انظروا إلى فوضى الأسعار بحجة ارتفاع الأسعار العالمية.. التي ترتفع وتنخفض ولكنها عندنا لا تعرف الانخفاض..  أي أنها عالمية حين ترتفع.. ومحلية حين تنخفض.. انظروا إلى فوضى الاستيراد حتى تحولنا إلى سوق من أكبر أسواق السلع الصينية المضروبة والمغشوشة..  وسوقًا للحوم الفاسدة والقمح المُسرطَن.. والألبان المغشوشة.. وجبن الغسالات المعجونة بالفورمالين السام.. والزراعة بمياه الصرف والاستيلاء والتعدى على أراضي الدولة..  و.. . و..  وما تعدوش..  

ومشكلة فوضى الاستيراد لم تكن إلاَّ نتيجة للخصخصة الفاضحة وعشوائية التفريط في الصروح الصناعية التي بناها الشعب بجهده وعرقه على مدى سنوات وسنوات.. ولم تكن فوضى الخصخصة إلا جزءًا من فوضى التفكير العشوائى غير المنضبط والمُنفلت.. والتي ثبت فشلها واعترف أصحابها بفشلها.. ولكن بعد فوات الأوان وبعد ما انهارت صناعاتنا الوطنية.. فدخلت إلى أسواقنا تحت سمع وبصر الكل وبموافقات وتصاريح رسمية للأسف.. كل السلع المغشوشة والفاسدة والمنتجات المُسرطنة وغيرها.. ما أضر بالإنتاج المصرى والمنتج المصرى والإنسان المصرى..  

عشوائية التفكير والتخبط – إن صح التعبير – هي أخطر مراحل العشوائية التي ضربت جذورها في الإنسان المصرى.. لم يعد الشعب أو الحكومة يُخطط لشىء.. كلنا نسير في مهب الريح.. تقودنا العشوائية إلى المهالك.. نفكر قليلًا..  ثم نعاود السير من جديد وكأن شيئًا لم يكن.. من نكد الزمان.. أننا تعايشنا وتكيفنا مع العشوائية ولا أستثنى منا أحدًا مسئولًا أو غير مسئول.  

الجريدة الرسمية