رئيس التحرير
عصام كامل

غياب الحركات الطلابية أعاد الإرهاب للجامعات


قرار مجلس عمداء جامعة القاهرة بعودة الشرطة إلى داخل أسوار الحرم تنفيذا لحكم قضائى، مقبول تماما في ظرف استطاعت خلاله الجماعة أن تحط من قدر الكيانات العلمية والعلماء، وتدهس الحرم الجامعى بأقدام بلطجيتها وتنفرد بساحته خالية على مواجهاتها مع الأمن حال حضوره، وتصدير صور الضحايا ولو برصاصها إلى الخارج وتسريبها إلى الطلاب غير المسيسين الذين باتوا متعاطفين معها بمرور الوقت.


القرار لا ينقصه سوى بند تفعيل دور العمل الطلابى المتنوع، فخلال العقدين الماضيين كان محاصرًا بأعين أجهزة الأمن وعملائه من جماعة الإخوان، التي كانت تدفع بحشودها للتغطية على "قلة أدب" طلاب اليسار والناصريين بحق مبارك ونظامه، فكانت مظاهرات دعم انتفاضة غزة والاعتراض على ضرب العراق التي تقودها الحركات الطلابية، تختفى أمام أعين كاميرات الجزيرة وغيرها من القنوات، بفعل اتفاق أجهزة الأمن المشبوه مع طلاب الإخوان على الحشد لأجل الهتاف ضد مذابح كوسوفو والبوسنة والهرسك وإخوانهم في الشيشان.

وكانت خدمات طلاب الجماعة "المجانية" للمستجدين وتشويه التجمعات الثقافية والفنية بدعوى جمعها بين الفتيات والشبان، تنافس خيام الجوالة وخدمات الاتحادات الطلابية المدفوعة من مخصصات الجامعات، تلك الاتحادات التي خرج أعضاؤها المخلصون للأمن ليشغل بعضهم وظائف بإدارات الشباب وشئون الطلاب ومكاتب رؤساء الجامعات وعمداء ووكلاء الكليات، وأكثرهم إخلاصًا من كان يستطيع اختراق هيئات التدريس والحركات والأسر الطلابية فينقل أسرارها وتحركات أعضائها.

هذه التركيبة الغريبة من الإدارات كانت شاهدًا على عنف النظام مجددًا داخل الجامعات عقب إسقاط حكم مبارك وإبعاد الحرس الجامعى واعتلاء الإخوان حكم البلاد وممارستهم العنف المسلح ضد المواطنين في ميادين الثورة وضد الطلاب وحركاتهم وأنشطتهم الجامعية بالضرورة، فكانت مشاهد البلطجة الإخوانية خلال العام 2012 هي السائدة تحت أعين مخبرى حرس نظام مبارك الذين استمالت الجماعة بعضهم خلال مرحلة الأخونة واختراق أجهزة الدولة الإدارية والأمنية.

بعد عزل مرسي ومحاكمة قيادات جماعته وسعى الإخوان إلى معاقبة "شعب جيش الانقلاب"، حدثت المفارقة الثانية، وهى استمالة الجماعة قيادات مؤسسات مدنية وحقوقية عتيقة وناشئة، لاستصدار تقارير وبيانات تعكس المشهد الجامعى على غير حقيقته، وتصور بلطجية الإخوان المحبوسين على ذمة قضايا إرهاب مسلح وتخريب وحرق منشآت علمية وتعليمية، على أنهم معتقلون، تماشيًا مع رسالة الجماعة الإعلامية التي تزعم انهيار الجامعات بسبب "الرفض الطلابى الجماعى" للانقلاب على مرسي، ومع بوصلة جهات التمويل أحيانًا.

وشيئًا فشيئًا بدا المشهد خاليًا على بلطجية الجماعة ومواجهاتهم مع الأمن داخل وخارج الحرم الجامعى، من فوضى حرم عين شمس للاعتداء على وزارة الدفاع، ومن حرق جامعة القاهرة إلى تفجير أقسام الشرطة المجاورة لها وقتل قيادات الأمن بشوارع وأعلى كبارى الجيزة.

في المقابل أهمل أعضاء هيئات التدريس تربية طلاب علم وفكر حقيقيين، حتى الأحزاب السياسية انسحبت من المشهد وجعلت طلابها مجرد مجموعة من المترددين على مقارها الخالية، دون أن يشغل هؤلاء بأفكارهم جزءًا من العمل الطلابى الذي ناضل أسلافهم لأجل تداخله مع العمل السياسي السلمى داخل الحرم الجامعى.

أما الأساتذة فكانت هيبتهم مستباحة على أيدى بلطجية الجماعة وحرائرها الزائفات، قِسْ على ذلك حرمان الشعب المصرى من حقه في حماية ممتلكاته وأمواله بدعاوى زائفة مضللة ترفض دخول الشرطة إلى الحرم الجامعى وقت الأزمات لحماية البشر والحجر والمعمل والمدرج والتراث والكتاب.

جزء من الحل غائب عن أذهان المتعاملين مع إرهاب الإخوان وبلطجيتهم المتقمصين شخصية الطلاب، وهو أن الجامعة خلت من الحركات الطلابية بأنشطتها الفكرية والثقافية والترفيهية والرياضية وأيضًا السياسية السلمية، فوقع حديثو العهد بالحياة الجامعية أسرى للمضللين الذين يشركونهم في جرائم العنف والحرق والقتل، فيتبرأ منهم الإخوان حال محاكمتهم ويدعى أهلهم غياب علاقة بينهم وبين الجماعة حال موتهم، حتى أصبحت استباحة دماء رجال الشرطة وأساتذة الجامعة والطلاب، عملًا محمودًا لحمقى يسيرون داخل محراب العلم.. مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارًا، نتمنى عودتهم طلابًا للعلم مقدسين لأهله ومحرابه.
الجريدة الرسمية