الفاتحة على روح الشهيدة ماري سامح
طعنات الإخوانى الإرهابى التي أنهت حياة الفتاة المصرية المسيحية مارى سامح مساء الجمعة الماضية، لها دلالات كثيرة ينبغى التوقف أمامها، لفهم حقيقة المشهد المصرى الذي باتت الجماعة لاعبًا رئيسيا في صناعة أحداثه.
الواقعة تجمعت فيها مظاهر الرفض الإخوانى للمغايرين لهم فكريا والمختلفين معهم سياسيا والمتباينين معهم عقائديا، والمذبحة التي شهدتها منطقة عين شمس وأنهت حياة 5 آخرين بينهم الصحفية الشابة ميادة أشرف، تنبئ بكارثة ما لم يتحرك مجتمع بأكمله لمواجهة عوراته، التي تفضحها كوارث أمية المتعلمين وضعف قوة رجال الأمن وتراجع تأثير علماء الدين، وانعدام الشعور بالرجولة لدى عينة جديدة من البلطجية دون حمل السلاح في مواجهة أنثى مستضعفة.
وظنى أن مارى قادها حظها السيئ لتمر بسيارتها أمام مسيرة لإرهابيين كهؤلاء، لتصبح في مواجهة مع فرض سيطرتهم على الشارع، وهو موقف تكرر مع مواطنين عاديين كان مصيرهم الضرب وتحطيم أو حرق سياراتهم، وتكرر أيضًا مع شخصيات عامة أمام حشود الإخوان خلال حكم الجماعة وبعده، لكن الأمر وصل في حالة "مارى" إلى ذروته، حيث التجمع الأول للتنظيم الإرهابى بعد إعلان المشير السيسي ترشحه للرئاسة، وتسارع محاكمات قيادات وأعضاء الجماعة عقب تخصيص دوائر قضائية لجرائم الإرهاب، ثم اتجاه التنظيم إلى الانتقام الأكبر من الشعب عقابًا له على ثورته، واستهدافه برصاص عشوائى وحرق منازله باعتباره شعبا انقلابيا.
ودون إشارة البلطجى الإخوانى الذي أمر أتباعه باستهداف الفتيات وتقديمهن كضحايا، كان بإمكان الشهيدة "مارى" أن تعود لأهلها حية، وكذا "ميادة"، فقط إن كانت "مارى" فتاة مسلمة، فالطريقة التي جرى بها قتلها "استثنائية" بالنظر إلى مجمل الحدث، وانتقامية بالمقارنة مع طرق قتل وإصابة ضحايا المذبحة الآخرين، وتؤكد أن فكر أتباع الجماعة الإرهابية تجاه المسيحيين، يجيز لهم طبقًا لعقيدتهم الخاصة، التفنن في قتلها والتلذذ به وكأنها فريسة أو ذبيحة، فكانت طعنات السكين المتوالية أسرع وأكثر عددًا من طلقات الرصاص التي أسقطت وأصابت آخرين إلى جوارها.
ومصيبة مارى وأمثالها من المسيحيات أنها تعيش داخل مجتمع يدير عقول قطاع غير قليل منه أنصافُ البشر وعظامُ الجهلاء ومبررو استباحة الدماء، هؤلاء يستحلون حقوق المغايرين لهم، راجع أزماتهم المفتعلة بسبب بناء كنيسة واعتداءاتهم على مريديها وحراسها لإسقاط أركان علاقة بين وطن وأبنائه، وقِسْ على ذلك جرائمهم التي طالت عشرات الكنائس والأديرة بمحافظات مصر عقب إسقاط حكمهم ثم فض اعتصامهم المسلح، وضَعك أمام مشهد افتخارهم باختيار رئيس مسيحى لحزبهم على شاكلة أفكارهم السياسية، مقابل عبارات الإهانة والتكفير التي يضعونها على أسوار الكنائس كل جمعة وعلى صفحات لجانهم الإلكترونية وجرائدهم قبل وبعد حكمهم الأسود لمصر، لتكتشف ما يحملونها لمصر وأقباطها من المسلمين والمسيحيين من مؤامرات.
مارى واحدة من المواطنات اللاتى يمكن تكرار مشهد القتل الإخوانى بحقهن لأنهن مسيحيات يعشن في مجتمعات خارج سيطرة الدولة، تحكمها البلطجة ويمثل الإرهاب النفسى والبدنى قانونًا دائمًا لها وضعته تحالفات قوى الجهل والعنف والفقر والتطرف التي تقودها جماعة احترفت اللعب على عورات المجتمع المصرى، مجتمعات تسودها أفواه وقلوب ترفض أن تمنحها لقب "شهيدة" كما تخرس ألسنتها لحظة انطلاق الدعاء لها، وتشغلك بحديث تافه وفاجر عن ديانتها وعقيدتها، أكثر من اعترافها ولو على استحياء بحقها في الحياة وتجريم استباحة دمها.
إقرءوا الفاتحة على روح الشهيدة "مارى" واطلبوا لها الرحمة والمغفرة، كما قرأتموها على روح "ميادة" ورفعتم أياديكم بالدعاء لها، فنحن جميعًا مصريون، بشر، وهدف واحد لعدو واحد اسمه الإخوان، لا يفرق بين قرآننا وإنجيلنا ولا بين مسجدنا وكنيستنا.