رئيس التحرير
عصام كامل

عشوأتونا..( 1 )


العشوائية.. آفة المجتمع المصري القاتلة.. السوس الذي نخر في صلب المجتمع حتى أتى عليه.. وجعله حطام مجتمع..
وقبل أن يتحدث المتحدثون.. ويُلقى بالتهم المُتَهمون (بفتح التاء.. وكسر الهاء ).. ويتنطع المتنطعون.. وينبرى المنافقون للدفاع عن شعب مصر.. وهم منه براء..


نعم نحن عشوائيون.. كلنا عشوائيون..لا أستثنى منا أحدًا.. حكومة وشعبًا.. بل وأتهم الحكومات المتعاقبة علينا في السنوات الثلاثين الأخيرة بزرع العشوائية والتشجيع عليها.. وكل الأدلة والشواهد والوقائع تشهد بما أقول.. ودون تجنى على أحد.. أو رمى أحد بالباطل.. والله على ما أقول شهيد.. فلننظرَ حولنا – بعيدًا عن إعلانات تحديد النسل – ولنرى ماذا نفعل.. وماذا يُفعل بنا..

ولنعود معًا إلى بدايات العشوائية التي ضربت حياتنا.. ولنرى معًا من المسئول عنها بالسكوت تارة.. وبالتعامى تارة.. وبالتشجيع تارة وتارة.. وبعدها فلتصدروا حكمكم.. هل أتهم الناس بالباطل أم بالحق..

كانت البداية بالميكروباصات.. نعم الميكروباصات.. ولا تتعجبوا.. انتشرت الميكروباصات في شوارعنا كحل لأزمة المواصلات.. هكذا قالوا.. وكان في هذا اعتراف صريح وصارخ بعجز الحكومة عن حل مشكلة المواصلات العامة.. بدأت المشكلة صغيرة.. ثم استفحلت.. وتغولت الميكروباصات في شوارعنا وانتشرت كالسرطان.. وبدأت الفوضى والعشوائية تحت سمع وبصر الحكومة.. وربما بدعم منها..

استولى أصحاب المصالح والمنافع على مقاليد الأمور في شوارعنا.. وزرعوا سلوكياتهم الفوضوية والعشوائية.. وانتشرت " الكارتة " أو الإتاوة التي يدفعها سائقو هذه الميكروباصات للمحليات أو لجمعيات..أو..أو.. وانتشرت معها البلطجة.. بلطجة السائقين وتحكمهم في الركاب.. وبلطجة جامعى الكارتة وتحكمهم في السائقين.. وبدأنا نأكل في بعضنا البعض..

انتشرت الأنانية والأنا مالية.. الميكروباص يقف في أي مكان وفي أي وقت دون مراعاة لمارة أو سائقى مركبات أخرى.. أليست هذه أنانية وتغليب لمصلحة فردية.. وتعامت الحكومة.. فاستفحلت الظاهرة حتى أصبحت سلوكًا معتادًا تعود عليه الكل شعبًا وسلطة.. صحيح حاولت السلطة كبح جماح هذا السلوك العشوائى الفوضوى.. ولكن بعد فوات الأوان.. فأصحاب الميكروباصات.. أصحاب النفوذ والسلطان.. سيطروا على الأمر لصالحهم.. ورضخ الكل للأمر الواقع..

سيطر نفوذ المصالح أو سلطان المال على مقاليد الأمور.. وهكذا بدأت العشوائية جنينا في رحم أزمة المواصلات.. ثم تحول الأمر إلى أزمة جديدة لم يحسب لها أي ٌ من المسئولين أي حساب.. هذه السيارات صغيرة الحجم التي تجرى في شوارعنا تسبب الزحام والتلوث والتكدس المرورى كان لزاما عليها أن تجد حلًا بعد ما أحدثته من زحام في الشوارع.. فكانت العشوائية في القيادة.. التي تحولت إلى فوضى.. وارتباك مرورى لا حل له إلاَّ بالقضاء على رأس الأفعى " الميكروباصات ".. هنا ستعلوا أصوات أصحاب المصالح والمنافع وسيتهموننا بأننا نقطع أرزاق العاملين في هذه المهنة..

وهنا لابد للتصدى لأصحاب هذه الأصوات التي لا تدافع إلاَّ عن مصالحها ومنافعها وتُغفل حقوق ومصالح عموم الشعب.. تمامًا كما حدث في " التوك توك ".. تعامت عنه الحكومات في البداية وسمحت باستيراده.. ثم وقفت وقفة عنترية مُفتعلة ورفضت التصريح له بالعمل رغم أنه يعمل بالفعل تحت سمع وبصر الكل.. صادرت " توك توك " أو اثنين أو عشرة أو مائة – ذرًا للرماد في العيون – ثم تحت ضغط نفس أصحاب المصالح استكانت ومر الأمر وكأن شئيًا لم يكن وأضيف لمصادر ومظاهر العشوائية والفوضى وافد جديد.. والبقية ستأتى.

سيبتدع أصحاب المصالح شيئًا جديدًا.. وسيجلبون لمصرنا إزعاجًا وفوضى جديدة.. والحكومات تتغاضى وتتعامى.. والحجة الجاهزة والحاضرة دومًا.. ميزانية الحكومة لا تسمح.. وعلى القطاع الخاص أن يتحمل نصيبه من التنمية.. وهكذا تبدأ المشاكل صغيرة وبالتجاهل والتعامى والتغاضى والمصالح المتبادلة بين هذا المسئول المُتعامى أو المُتغابى.. وذاك المنتفع.. تعم الفوضى وتسوء الأحوال.. وتغرق مصر في بحار العشوائية..
علينا أن نُدرك أن السكوت عن الخطأ مهما صغر حجمه.. ليس خطأ بل جريمة خاصة إذا كان السكوت لغير وجه الله.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية