رئيس التحرير
عصام كامل

«سوق المتعة.. بورنو الجاهلية»..أصحاب الرايات الحمر الأشهر.. وبغايا يمارسن الجنس في الطرقات.. الإسلام قضى على الظاهرة.. وفساد العصر العباسي أحياها من جديد

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

الدعارة وسوق المتعة المحرمة ليست وليدة عصر الصناعة ودنيا الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى، والمشاهد الأفلام الإباحية بما فيها من فسق وأوضاع مقززة، لكن لها أصولا في الماضى، والمتعمن في التاريخ وروايات الزمن الماضى يرى أن دعارة اليوم هي تطور لما مارسه بعض الأجداد من ممارسات غير أخلاقية، خاصة في العصر الجاهلى أي قبل ظهور الإسلام.

وتتواتر الأنباء والروايات عن عاهرات الجاهلية، اللاوتى كن يفتحن منازلهن لراغبى المتعة الحرام، بالإعلان عن ذلك من خلال راية حمراء تعلق على باب الدار، أو أعلى المنزل، لترشد الراغب في المتعة لقصد سبيله نحو سوق فيه المرأة مجرد جسد ينهش فيه كل من يملك المال ويرغب في قضاء ليلة أو أكثر.

الأمر في الجاهلية لا يقتصر على هذا النوع من الدعارة؛ بل مارس أهلها ما هو أقذر من ذلك، حيث عرفوا ما يشبه حفلات الجنس الجماعى التي تقام في بعض المجتمعات الغربية في وقتنا الراهن.

وكان العرب في الجاهلية يمارسون ما يعرف لدى رواة التاريخ بنكاح الرهط، ويقصد به أن يجتمع عدد من الرجال لا يزيدون على الـ 9 ولا يشترط عندها إن كانوا من قبيلة واحدة أم من عدة قبائل، ويكون بينهم اتفاق على الاتصال جنسيا بامرأة واحدة، بناء على رغبتها، ويتناوبون على المرأة، والغريب في الأمر أن هذا النوع من النكاح كان مباحا في الجاهلية، ولم يكن به ما يشين، والأغرب منه أن المرأة الموطؤة كانت إذا حملت وأنجبت اختارت من تراه مناسبا لأبوة ولدها دون أن يكون له حق في الرفض، حيث كانت المرأة بعد الإنجاب تجمع الرجال الذين تناوبوا على نكاحها وتذكرهم بما كان بينها وبينهم، ثم تقول يا فلان هذا ابنك فاقبله.

أما نكاح السفاح؛ فهو أكثر دعارة من سابقيه، وفيه من الفجر وقلة الشرف ما يقزز العفيف، وهذا النوع من الدعارة كانت فيه البغي أو المرأة تقبل على ممارسة الجنس مع عدد من الرجال في وقت واحد، في مكان مفتوح، يشاهدهم فيه من يريد ذلك، دون حياء أو خجل، وبحسب رواة التاريخ والأخبار، فليس للرجال الذين يزنون بالمرأة –في هذا النوع- حدود فهى قابلة وراضية أن ينكحها عشرات من الرجال، بل تدعوهم إلى ذلك أمام الناس، ويوجد في هذه الزمان بعض آثاره ولكن مع التخفى والاستتار غالبا، ويوجد في بعض الأماكن ما هو علنى كبيوت الدعارة والفنادق التي تجلب العاهرات والسافرات في تلك الليالى الحمراء، ومثل هذا النوع متواجد في بعض المجتمعات الغربية.

الأخبار والمرويات عن أنواع الممارسات الداعرة في الجاهلية لا تتوقف؛ فمن ذلك مثلا نوع من أنواع الدعاة التي كانت تمارس في الجاهلية، دون مقابل مادى، ولكنها كانت تمارس من أجل نيل شرف أو تحسين نسل، وهو ما كان يعرف بنكاح الاستبضاع، حيث كان يختار الرجل في الجاهلية أحد الفرسان الأشداء، أو ذوى البأس والقوة، أو أحد أصحاب السطوة والنفوذ، ليقدم له امرأته ويطلب منه أن يمارس معها الجنس، عسى أن تحمل منه فيكون له ولد من صلب هذا الفارس أو ذاك الشخص، ولم يكن هذا النكاح بمستنكر في الجاهلية بل كان متعارفا عليه.

من الممارسات الداعرة التي انتشرت في الجاهلية قبل مجيء الإسلام، ما كان معروفا باسم نكاح الخدن، حيث كانت المرأة تتعرف برجل غير زوجها، وتدخله عليها في الفراش في غياب زوجها، والغريب في الأمر أن المرأة كانت توسم بالعار إن جهرت بزناها، ولكن طالما أنها تمارس الدعارة في الخفاء فلا مانع من ذلك.

مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية وغيرها جبها الإسلام، ونبيه الكريم، وحرمها الله سبحانه وتعالى، من أجل استقامة الأمور، وتربية المسلمين على الأخلاق الحميدة، والشرف والأمانة.

وتكثر الآيات القرآنية التي تحرم مثل تلك الممارسات الفاحشة، ومن ذلك قول الله تعالى: {وذروا ظاهر الإثم}، وفى تفسير تلك الآية الكريمة، قال الإمام السدى وغيره نقلا عن ابن العربى أن ظاهر الإثم يقصد به أصحاب الرايات من الزوانى، وقال القرطبى في تفسير الآية قيل معنى ظاهر الإثم هو ما كان عليه أهل الجاهلية من الزنا الظاهر.

وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان قوم من العرب يحرمون ما ظهر من الزنا، ويستحلون ما خفى منه، فنهى الله سبحانه وتعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} وزجر عن الوطء إلا عن نكاح صحيح أو ملك يمين.

وقال ابن العربى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتخِذَاتِ أَخْدَانٍ} حيث كانت البغايا في الجاهلية على قسمين مشهورات، ومتخذات أخدان، وكانوا بعقولهم يحرمون ما ظهر من الزنا ويحلون ما بطن، فنهى الله تعالى عن جميع ذلك.

وتمضى الأيام ويتمكن الإسلام من نفوس العرب، وتتحول الممارسات غير الأخلاقية بفضل نعمة الإسلام إلى احترام للمرأة وتقديس للحياة الزوجية، وترق النفوس بفضل تعاليم الدين الحنيف، فيعف اللسان ويحافط العرب المسلمون على فروجهم، ويمنعون أنفسهم حتى من النظر إلى المرأة من غير المحللة لهم، وتتوقف الأخبار عن الممارسات غير الأخلاقية طوال فترة عصر صدر الإسلام الذي ينتهى بنهاية خلافة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، وفى الدولة الأموية تصمت المصادر التاريخية عن مثل تلك الأخبار، لما كانت تتسم به دولة بنى أمية من أنها فترة الفتوحات والحروب الإسلامية، وفيها تم فتح الأندلس، ولكن لا يدوم صمت المصادر التاريخية عن أخبار الخلاعة والمجون كثيرا.

ومع مجيء العصر العباسى واتساع رقعة الدولة الإسلامية واختلاط العرب المسلمين بغيرهم من الأمم الأخرى وعلى رأسهم الفرس والروم، وانتشار القيان والمغنيات، والعازفين والعازفات، وانتشار حانات الخمور، وشعراء المجون والخلاعة، والشعوبيين، وفساد بعض الولاة والحكام، كل هذا أدى إلى طهور بعض الممارسات غير الأخلاقية التي كانت موجودة في الجاهلية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية المحرمة، وتنتعش سوق الدعارة في بعض الأجزاء من بغداد عاصمة الخلافة وقتها، بل وصل الأمر ببعض الرواة إلى إفراد مساحات كبيرة من الكتب لأخبار الفحش والخلاعة والمجون والممارسات الداعرة، وجرت على ألسنة الشعراء التغنى بمغامراتهم النسائية، والأقذر من ذلك التغنى بمغامراتهم مع الصبية والغلمان، حتى أن شاعرا في نهايات الدولة العباسية يدعى الشاب الظريف أفرد ديوانا كاملا للغزل في الغلمان.
الجريدة الرسمية
عاجل