تقرير يطالب "النقد الدولي" بإصلاح الدعم على المدى القصير
أعدت مؤخرًا شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية بالتعاون مع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفريق عمل الشرق الأوسط في مؤسسة أمريكا الجديدة دراسة حول توصيات صندوق النقد الدولي إلى الحكومات العربية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالسياسات التقشفية ونظم الدعم.
ويستند التقرير إلى استعراض منهجي لتقارير خبراء صندوق النقد الدولي حول الدول العربية في مرحلة الانتقال – تونس والمغرب والأردن واليمن ومصر – وعلى المشاورات مع منظمات المجتمع المدني والمفكرين على صعيد إقليمي.
يسلط التقرير الضوء على أن دعوة صندوق النقد الدولي لحكومات الدول العربية بتفكيك نظم الدعم على الطاقة والأطعمة، وتحفيز شبكات الأمان الاجتماعي والتي كثيرا ما تؤتى بنتائج عكسية لما هى مصممة إليه وهو تحقيق الحماية والعدالة الاجتماعية.
وتستنتج الدراسة أن ذلك يعود لسبب أن برامج الحماية الاجتماعية غير مؤهلة حاليا في البلدان طور الانتقال وفي ظل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتغيرة في المنطقة العربية.
ناهيك عن غياب المحاسبة واستشراء الفساد وضعف المؤسسات. ففي غياب خطط الحماية الاجتماعية القوية أو تدابير بديلة للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار السلع الأساسية، يؤكد التقرير أن إزالة الدعم سيزيد من تقويض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفئات الضعيفة.
في مصر مثلا، قالت ماهينور البدراوى الباحثة بالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: يسعى صندوق النقد إلى تفتيت نظم الدعم في مصر منذ عام 2007-2008، وذلك من خلال توصيات المشاورات الدورية مع الحكومة المصرية، الأمر الذي رفضت حكومة مبارك تنفيذه في 2009 و2010 لما لذلك من تداعيات اجتماعية وسياسية خطيرة، طبقا لتقارير المادة الرابعة للصندوق. ومع ذلك، وبعد اندلاع الثورة، سارع الصندوق بالدفع بنفس التوصيات لحكومة عصام شرف الانتقالية، والتي بدأت بتنفيذها حكومة الإخوان في 2012 ليعانى قطاع الزراعة أكبر نسبة من تخفيض الدعم تصل إلى 75%. ومن المثير للقلق هو أن حكومة الإخوان قامت في أشهرها الأخيرة.، من خلال وزارة التعاون الدولى بإبرام اتفاقية مع صندوق التحول للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أبريل 2013 بالتعاون مع البنك الدولى لإعادة هيكلة قطاع الطاقة والدعم المصرى، دون أدنى حدود الشفافية أو العلانية في هذا الملف المصيرى.
أما بخصوص فاعلية المشروع المقترح، قالت البدراوى: "فضلا عن غياب الشفافية، تعد خطة الصندوق لتفتيت الدعم في مصر غير مجدية حيث تقوم في الأساس على بناء شبكة معلومات لتوصيل الدعم الموجهه لمستحقيه من خلال تجميع قواعد البيانات القائمة من هيئات المرور والتكافل الاجتماعى وغيرها، والتي هى في الأصل قديمة جدا ومتهالكة ولا تؤدي الغرض منها، وهو ما دعى إلى التفكير في تطوير نظم الدعم في بداية الأمر، مشيرة إلى أن فكرة الدعم الموجه للفئات الأكثر ضعفا تمثل خطرا على الفئات المتوسطة والتي نجحت في البقاء فوق خط الفقر لما تتمتع به من تغطية للسلع الأساسية تحت نظام الدعم الشامل المطبق حاليا.
ففى حال تفكيك نظام الدعم عن الغذاء، من المتوقع زيادة نسبة الفقر في مصر من 25 إلى 35%، طبقا للإحصائيات الأخيرة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. وهذا بغض النظر عن الأضرار التي سيعانيها القطاع غير الرسمى وغير المدرج بقواعد البيانات الحالية، والذي يمثل نحو 40% من الاقتصاد المصرى. ولهذا، يوصى المركز المصرى بالكف عن التطبيق الشامل والسربع لتفكيك نظم الدعم في مصر من دون العمل على تطوير وبناء القدرات الاحصائية والبحثية للأجهزة البيروقراطية للدولة حتى تتمكن من رصد القطاع غير الرسمى والطبقات الوسطى والضعيفة حتى يتسنى لها بناء برنامج تطوير للدعم يعمل كنظام حماية اجتماعية فعال وحقيقى وأن يخضع للاختبارات الكافية في المقام الأول حتى لا يأت بنتائج عكسية.
أما في تونس بالرغم من أن خفض الدعم يمكن أن يخفف من تعقيدات الميزانية في تونس، إلا أن هذه التدابير من شأنها أن تفرض عبئًا إضافيًا على الفقراء، وهي المجموعة التي يُعتبر استهدافها بالغ الصعوبة وهى الأكثر حاجة للحماية الاجتماعية.
وفي المغرب، يرى ناشطون حقوقيون أن شبكات الأمان الاجتماعي ذات الاستهداف الجيد قد تؤدّي إلى التعويض عن أثر ارتفاع أسعار السلع الأساسية على القدرة الشرائية للطبقات الأكثر فقرًا في المجتمع، إلا أن آثار شبكات الأمان على الطبقات الوسطى والاستهلاك المحلي يمكن أن تبقى سلبية. فشبكات الأمان الاجتماعي لا تمثل بدائل مثالية للدعم، لأن الصعوبات الإدارية والفنّية تعيق عملية الاستهداف.
وفي الأردن، فمحاولة الحد من العجز المالي من خلال إصلاح نظام الدعم فقط، يمكنه، في أفضل الأحوال، أن يؤدّي إلى نتائج مؤقتة قصيرة الأجل. وسيتم استنساخ المعضلات المالية ما لم يتم الجمع بين إصلاح الدعم وبين التعديل الكبير في خيارات السياسة الاقتصادية الكلية. كذلك الأمر، إن نظم الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعية لا تؤمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء عند تخفيض الدعم، وتحديدًا هؤلاء الذين يعملون في القطاع غير الرسمي الشاسع في الأردن، والذي يفتقر إلى إمكانية الحصول على الخدمات العامة والإعانات الاجتماعية.
وفي اليمن، الذي هو من البلدان الأفقر عربيًا، الوضع السياسي المتقلب عاجز عن تحمّل المزيد من الصدمات الاقتصادية نتيجة لخفض الدعم على المدى القريب. هذا وقد أكد ناشطون يمنيون أن العجز المالي في اليمن هو نتيجة للفساد في القطاع العام إلى حد كبير، وخاصة القطاعات التي تولّد الإيرادات للحكومة. ففي ظل تفاقم الفساد في اليمن، التحويلات النقدية للفقراء التي تهدف إلى تخفيف الضغط قد تؤدّي إلى ملء جيوب المسئولين الفاسدين أو النخب المحلية.
وعلى صعيد المنطقة العربية، بشكل عام يقول حسن شري، الباحث في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية: ينبغي على صندوق النقد الدولي أن يكيّف توصياته مع الظروف الخاصة بكل بلد، مع مراعاة الواقع الانتقالي للمنطقة العربية التي أظهرت بحراكها التاريخي مراد شعوبها بالحرية والعيش اللائق. هذا بدوره يتطلب أن يعدّل صندوق النقد في رؤيته حيال المنطقة، وبالتالي أن يساعد في وضع خطة إصلاح شاملة تحافظ على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفقراء والطبقة الوسطى، وتنقل البلاد من دول ذات طابع ريعي إلى بلاد منتجة وقادرة.
في هذا الإطار، يوجه التقرير عدة توصيات لصندوق النقد الدولي، على رأسها تعديل النصاىْح السياسية للحكومات العربية بعيدا عن ضبط أوضاع المالية العامة على المدى القريب نحو تعزيز القطاعات الاقتصادية المنتجة وبرامج الحماية الاجتماعية، بالإضافة لحث الحكومات الوطنية للتشاور مع منظمات المجتمع المدني – بما في ذلك النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية، والسلطات البلدية حول برامج الإصلاح الاقتصادي وخطط التنمية الوطنية، وخاصة فيما يتعلق بتطوير برامج الحماية الاجتماعية، كذلك العمل مع الحكومات الوطنية لتطوير بدائل لإصلاح الدعم على المدى القصير، مثل تخفيف عبء الديون، وتطبيق نظم الضرائب التصاعدية.