رئيس التحرير
عصام كامل

أخذ الحق.. صنعة


من حق الإنسان أن يبحث عن مصالحه.. وعن حقوقه.. ولكن.. وبعد لكن هذه أشياء كثيرة.. واعتبارات وجيهة.. من حق الأطباء الإضراب.. كما يقولون لمصلحة الطبيب والمريض.. ومن حق موظفى الشهر العقارى أن يضربوا.. ويُطالبوا بمساواتهم بغيرهم من موظفى وزارة العدل.. ومن حق عمال النقل العام الإضراب والبحث عن حقوقهم في الحد الأدنى أو البحث عن جهة يتبعونها لمطالبتها بحقوقهم.. ومن حق عمال المحلة الإضراب والمطالبة بالأرباح وإقالة المتسببين في خسائر الشركة.. بل ومن حق أمناء الشرطة أنفسهم الإضراب والمطالبة بحقوقهم.. رغم أنهم الموكل إليهم تنفيذ قانون التظاهر- ما علينا - من حق أي فئة التظاهر والإضراب للمطالبة بحقوقهم بل وحتى بما يتصورونه حقوقًا لهم.. نعم كل هذه مطالب مشروعة ومؤجلة منذ سنوات..


ولكن.. هل الوقت مناسب.. هل ظروف البلد أمنيا أو سياسيًا أو اقتصاديًا تتحمل كل هذه الإضرابات أو هذه المطالبات؟! بالتأكيد من ناحية الحقوق.. هي حقوق واجبة.. ولكن من حيث الملاءمة..لا الوقت مناسب.. ولا الظروف مناسبة.. فأوضاع البلد أمنيًا غير مناسبة لإضرابات من هذا النوع لأنها تزيد "الطين بلة " و تحدث ارتباكًا وتعطيلًا للمصالح.. بل وتندس عناصر إخوانية لتزيد النار اشتعالًا..

ومن حيث الظروف الاقتصادية.. فالبلد تُعانى من عجز مالى.. متراكم منذ سنوات وزاده ضعف الإقبال السياحى.. وقلة الاستثمارات.. وتوقف العديد من المصانع والشركات.. وبالتالى المطالبة بالزيادة في الرواتب ورغم أنها حق.. إلاّ أن الضرب في الميت حرام..

ومن حيث الظروف السياسية.. فمثل هذه الإضرابات في مثل هذه الظروف.. كلها تصب بشكل مباشر أو غير مباشر في مصلحة أعداء الوطن ممن يسعون إلى إعاقة المسار السياسي وخريطة الطريق إلى المستقبل.. قديمًا قالوا "أخذ الحق صنعة ".. ولكن أخذ الحق في مثل هذه الظروف ليس صنعة.. بل يبدو انتهازًا للظروف الصعبة التي تمر بها البلد..

وأخذ الحق بهذه الطريقة وفي ظروف البلد الصعبة هو "لى لزراع السلطة الحاكمة " والتي تتحمل عبء مشاكل متراكمة على مدى أكثر من 30 سنة.

وأخذ الحق في ظل ظروف بلد " منهكة " اقتصاديًا.. و" مستنزفة " ماليًا.. أشبه بمن يقول " أنا ومن بعدى الطوفان".. لا الوقت مناسب.. ولا الوسيلة مناسبة للمطالبة بالحقوق – مع الإقرار بأنها حقوق إنسانية وحياتية – ولكن كل هذه الفئات المضربة أو التي تستعد للإضراب.. كلهم وغيرهم تحملوا وانتظروا سنوات ربما كانت الظروف فيها أفضل وأكثر ملاءمة للمطالبة بهذه الحقوق من الوقت الراهن.. فهل من اللائق والمناسب أن تثور الآن وتُضرب عن العمل والبلد في هذه الحالة من السوء..

إن هذه الإضرابات رغم وجاهة المطالب.. ورغم كل الادعاءات بأنها ليست مطالب فئوية.. إلا أنها في النهاية ومهما كانت فهى تصب في خانة المطالب الفئوية.. وهي ورغم وجاهتها.. تطرح أسئلة أخرى إلى جانب سؤال الملاءمة الزمنية أو كيفية المطالبة.. هل قدمنا ما علينا من واجبات لنطالب بما لنا من حقوق..؟!

 كل هذه الفئات ومن سيلحقون بهم في طابور المطالب والمطالبين.. هل أدى كل منهم ما عليه في عمله حق الأداء – أم كان يعمل على " قد فلوسهم " – ليُطالب بما له من حقوق؟!

بالله عليكم.. هل إضراب الأطباء – كلى أم جزئى – هو عقاب للحكومة أم عقاب للمرضى.. ما ذنب المريض الذي يُعانى أساسًا من سوء الرعاية والخدمات الصحية.. وهل زيادة مرتبات الأطباء وامتيازاتهم – والتي حق لهم – هل ستساعد في تحسين الخدمة المتدنية ليس فقط من حيث العلاج أو توفير الدواء ولكن من حيث المعاملة والرعاية الطبية والتمريضية؟!

هل أمناء الشرطة المضربون والمطالبون بزيادة رواتبهم.. كانوا يؤدون دورهم في حماية الناس وتطبيق القانون.. ألم يستغل البعض منهم على الأقل سلطاتهم في الإساءة للناس والعسف بهم بل وابتزازهم باسم القانون؟!

هل إضراب العمال ومطالباتهم بعزل ومحاسبة المتسببين في خسائر الشركة.. ملائم لمطالباتهم بالأرباح.. أي أرباح وهم أنفسهم يعترفون بخسائر الشرك؟!

هل المطالبة بالحقوق وتحسين الأحوال تعنى إهدار حقوق الآخرين.. لماذا وصلنا إلى هذه الحالة من الأنانية.. لماذا نبحث جميعًا عن مصالحنا ونتناسى ونتجاهل مصالح الوطن.. لماذا تحولنا جميعًا – من يُطالب ومن ينتظر الدور- إلى نهاشين لجثة الوطن.. المُنهك خائر القوى؟!

لابد من أن نواجه أنفسنا بحقيقتنا.. قبل مواجهة أي حكومة بتقصيرها.. لابد من محاسبة أنفسنا قبل محاسبة الآخرين.." الضرب في الميت حرام".. ارحموا الوطن.. يرحمكم الله.
الجريدة الرسمية