أحكام القضاء وفشل الحكومات
نعم، وباختصار شديد، لا أجد سببًا مباشرًا لفشل حكومة الببلاوى وقبلها حكم الإخوان، وأى حكومة بعدهما، سوى عدم احترام أحكام القضاء والتحايل عليها وإهمالها وإهدارها.
حينما حضرت حكومة الببلاوى ظل الإعلام يلقبه برئيس الوزراء وينكر على المستشار عدلى منصور صفة رئيس دون ربطها بكلمة "الانتقالى"، مقابل استجابة سريعة من قبل حملة المباخر لمصطلح "تأسيسية" الذي انتزعه الببلاوى لنفسه وحكومته، وتكرر على لسان الدكتور مصطفى حجازى في مؤتمر صحفى عالمى، دون تأمل كبير لدور هذه الحكومة، مقابل تعليقات أبعد على ممارساتها وأدائها.
ورهنت الحكومة نجاحاتها وتسديدها استحقاقات المصريين بعد ثورتين، باستقرار الحالة الأمنية، التي تعاملت معها داخليًا وخارجيًا قبل وبعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، بيد مرتعشة وإرادة مترددة ونوايا متذبذبة، فظهرت البلاد في عهدها أقرب إلى ما يريد الإخوان تصويره للعالم الخارجى كحرب أهلية، فهذا ضابط جيش أو شرطة تقتله الجماعة بدعم وإرشاد عن خط سيره من جيرانه أو زملائه، وذاك وزير داخليته تستهدفه بعشرات الكيلوات من المتفجرات، مقابل مئات البلطجية الذين يمارسون عمليات التخريب داخل الجامعات المصرية، وفى شوارع مصر خروجًا من مساجدها.
ولم يفكر أحد لحظة، لماذا لا تلتزم الحكومة بتطبيق أحكام القضاء حرفيًا في هذا الشأن، بحظر تنظيم الإخوان ومؤسساته وتصفية أمواله وتجفيف منابع تمويله التي باتت تستهدف المحرومين من حقهم في العمل واليائسين من تحسن الأوضاع على المستويين الاجتماعى والاقتصادى؟ وما الذي يضيرها من استصدار قرار رئاسى بقانون يدعم حكمًا قضائيًا باعتبار الجماعة كيانًا إرهابيًا مع امتداداتها في الخارج، حماس في فلسطين المحتلة والعدالة والتنمية في تركيا والتكفيريين في ليبيا والقاعدة بأفغانستان وأنصارها في سيناء وحكومة الجزيرة في قطر؟
ثم ما الذي يضير حكومة من تفعيل أحكام قضائية تدعم إرادتها في محاربة الإرهاب وأحد أسبابه الفقر، فتذهب بالضرورة إلى إعادة الشركات المباعة بعمليات يشوبها الفساد، إلى أصحابها من العمال والموظفين الذين أضيروا بسياسات الخصخصة والمعاش المبكر، أو من جرى تسريحهم من قبل مستثمرين وهميين حضروا إلى البلاد لتخريب اقتصادها وشيطنة قواها المجتمعية؟
هل استعاد أحدكم بذاكرته مشهد المعزول محمد مرسي وهو يقر رغمًا عن القضاء عودة برلمان الإخوان الذي جرى حله لفساد النظام الانتخابى؟ وهل يستعيد أحدنا مشهد حصار أنصاره مقر المحكمة الدستورية لمنع انعقادها وتهديد أعضائها حال الدخول إلى مبناها، أو حصار عمومية القضاة بدار القضاء العالى ومحاولة الاعتداء عليهم؟ وما الذي يمكن أن يفرق من وجهة نظرنا ونظركم بين إرهاب القضاة وتجاهل أحكامهم أو إهمالها أو التحايل عليها؟
ثم لماذا تتخذ الحكومة خطوة نحو تنفيذ حكم يدعم تصفية أموال ومؤسسات الإخوان في الوقت الذي تتجاهل فيه حكمًا بعودة شركات العمال المشردين وتدفع بهم إلى الإضراب والاعتصام في الشوارع والميادين وأمام دواوين الدولة؟ ولماذا تلتزم بحكم يبرئ رجل أعمال تضخمت ثروته، أو يمنح آخر فرصة تعويض عن فسخ عقد شركة مملوكة للشعب مباعة بطريقة فاسدة، ولا تلتزم بتطبيق حكم قضائى واضح بتحديد وتنفيذ حد أدنى وأقصى للأجور، وبطريقة لا لبس فيها أو تحايل؟
مصر بحاجة إلى بناء مؤسساتها، ومؤسسات الدولة لن تبنى إلا بوجود حكومة تحترم منظومة "دولة المؤسسات"، ولا تلعب بالبيضة والحجر مع القضاء وأحكامه، والشعب وأحلامه، والشارع ومطالبه، والمستقبل وما يستحق المصريون أن يحيوه من أمل أفضل من سواده الذي تصر عليه حكوماتهم وترسمه لأجيالهم القادمة.