رئيس التحرير
عصام كامل

المواطن المسحول


حقيقة الإخوان وما فى بطن هذه الحقيقة هى التى فضحتهم فى واقعة "المواطن المسحول"، وليست الكاميرات وعدساتها ولا الذين نصبوها من إعلاميين، وفى الأمر برمته يمكن رؤية أن الأقدار وقفت ضدهم وكانت حِكمتها أن تكون واقعة المواطن المسحول أمام قصر الاتحادية وليس فى أى مكان آخر.. هذا القصر هو مقر الرئاسة والحكم، وفى هذا فإن الربط هو تلقائى وسيبقى أبدياً بين ما حصل للمواطن المسحول من تعرية حتى انكشاف العورة ومن ضرب وركل ومسح للآدمية، وبين المكان الرئاسى وذلك كلما أدير شريط الواقعة.

المواطن المتظاهر المسحول جعل الجميع يشعر بأنهم فى مكانه يتلقون الضربات أمام القصر الرئاسى ويركلون بالأرجل ويُسحبون على الأسفلت ويمرون بأقصى صور العذاب بشاعة وقسوة لم تنقل منها كاميرا تليفزيون "الحياة" إلا دقائق معدودة حين وقع الضرب لسوء حظ الإخوان الحاكمين تحت عدستها، بينما استمر، كما ذكر المسحول بعد ذلك فى تصريح تليفزيونى وقتاً طويلاً شاهد فيه الأهوال.. وإذا كان الاعتداء الجسدى هو فى كفة وموضوعاً بذاته، فإن التعرية الكاملة وظهور السوءة لرجل عربى صعيدى فى عملية تعذيب علنية هى موضوع آخر ذو اختلاف كبير وتداعيات فى النفوس وشعور بالوجود فى الوضع نفسه والمكان نفسه "أمام الأعين"، هكذا قال الكثيرون فى مواقع التواصل وفى القنوات الفضائية، وهكذا زمجروا غاضبين ومجروحين فى الصميم وفى موقع الثقة بالنظام القائم على "أسس إسلامية".
لنتخيل نظاماً إسلامياً حقيقياً يتشوق إلى أن يمارس إسلاميته ويظهر الفرق بينه وبين النظم الأخرى حين تحدث واقعة كهذه انتشرت كالنار فى الهشيم داخلياً وخارجياً، أو لنتخيل على الأقل نظاماً ذا نسبية إسلامية فيها الحد الأدنى من احترام عقول شعوب صوتت على الخيار الإسلامى فى الانتخابات وغلّبت فى هذا التصويت من يتحدثون باسم الإسلام، كيف كان سيتصرف ويدافع عن نفسه وقيمه التى يتأسس عليها خطابه وما يفترض أنه سلوكه السياسى؟ يستقيل الرئيس خجلاً وتبرؤاً من الجريمة التى ارتكبت بحق شرف وإنسانية المواطن المسحول المعرى، يلقى خطاباً ينتحب فيه خوفاً من غضب الله وما يجره هذا الغضب، ويخاطب الصدمة الاجتماعية مما حدث قائلاً إنه يضرب فى صميم الرؤية الإسلامية للإنسان كمخلوق مكرم، يأمر المسحول بالقصاص علناً ممن أجرموا فى جسده وشرفه، كما فعل عمر بن الخطاب حين حكم على ابن الأكارم القريشى بأن يقتص منه المصرى القبطى بالشكل نفسه، أليس العساكر الذين قاموا بهذا الفعل هم فى النهاية من حماة القصر وساكنه وقاموا بذلك بهذه الصفة؟
حمادة، الصعيدى الأصل، المنتهك الرجولة والكرامة الإنسانية على يد عساكر القصر والحكم، هو تلخيص حى ودرامى لقصة المصريين، ولذلك فقد غدا الرجل الأشهر فى مصر، ولتخرج التظاهرات الشعبية البعيدة عن المعارضة للذود عن صعيديته ورجولته.
لقد تم احتواء الحدث بنمط غير معتاد من الأكاذيب والاختلافات التى تنافى المنطق وتهين العقول، أما الحقيقة فى ما يشكل خلفية له، فهو ما كشفته الصحافة الغربية عن أمر لمرسى بإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين والطلب من الجيش أن يكون وسيلة لسياسة الرد على التظاهرات بالرصاص الحى، هنالك خياران فقط أمام المتظاهرين: إما القتل كما حدث لمتظاهرين فى القاهرة وبورسعيد فى الأيام الأخيرة، أو العذاب والمهانة العلنية، كما لاقى هولها المواطن حمادة صابر.. هذه هى خلاصة "الحكم الرشيد" على النمط الإخوانى المقدم على أنه إسلامى، وفى ذلك أيما محنة للإسلام واختبار للمسلمين العاديين الذين أصبحوا يستنفدون الأمل فيه، حيث يصبح الظلم باسمه والجبروت والكذب باسمه، وحيث السوط الذى يجلد ظهر الوطن باسمه .
* نقلاً عن الخليج
الجريدة الرسمية