رئيس التحرير
عصام كامل

الإضراب عن العمل والاتفاقية الدولية


الأصل العام المقرر دستورياً والمتطلب ديمقراطياً هو وجوب كفالة حرية تعبير الموظـفين عن آرائهم بشأن المشاكل المتعلقة بشروط وظروف العمل داخل المرافق التى يعملون بها.

وإذا كان التعبير عن الرأى فى هذا المجال يمكن أن يأخذ صوراً متعددة، فإن الإضراب عن العمل أصبح بعد قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ الوسيلة الأكثر شيوعاً للتعبير عن الآراء فيما يتعلق بالمشاكل والصعوبات التى تتعلق بأوضاعهم الوظيفة، والإضراب عن العمل ما هو إلا توقف كل أو بعض العاملين فى مرفق معين أو أكثر من مرافق الدولة عن مباشرة العمل غير قاصدين التخلى عن وظائفهم نهائيا وذلك بقصد الضغط على الإدارة -جهة عملهم- لتحقيق مطالبهم بشأن تحسين ظروف وشروط العمل وأوضاعهم الوظيفية، وفى هذا الشأن تعمد المشرع المصرى منذ زمن بعيد تغليب احترام مبدأ دوام سير المرافق العامة بانتظام على الاعتبارات المتعلق بضرورة منح الموظفين العموميين حرية التعبير عن آرائهم بخصوص العمل عن طريق اللجوء إلى الإضراب كوسيلة من وسائل التعبير عن الرأى.
ولم يقتنع المشرع بالجزاء التأديبى الذى يوقع على الموظف العام فى حالة اشتراكه فى الإضراب عن العمل ودائما جعل الإضراب جريمة يعاقب عليها القانون بمقتضى المادة ١٢٤ من قانون العقوبات، وقد سايرت التشريعات المتعاقبة للعاملين المدنيين بالدولة هذا النهج حيث تضمنت لائحة المخالفات والجزاءات بالكتاب الدورى للجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رقم ٣٩ لسنة ١٩٨١ بشأن لائحة المخالفات والجزاءات المقررة لها وإجراءات التحقيق مع العاملين بالجهاز الإدارى للدولة - منها الإضراب عن العمل والاعتصام داخل مقر العمل وجعلت منه مخالفة وقررت لها جزاء الإحالة للمحاكمة التأديبية.
وفى السادس عشر من ديسمبر ١٩٦٦ أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتى وقعت عليها مصر فى ٤ أغسطس ١٩٦٧ وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم ٥٣٧ لسنة ١٩٨١ بشأن التصديق على هذه الاتفاقية والتى أكدت فى مادتها السادسة الحق فى العمل وذكرت فى مادتها الثامنة الحق فى الإضراب على أن يمارس وفقاً لقوانين القطر المختص -ما يؤكد أن الإضراب عن العمل أصبح معترفاً به كحق مشروع من حيث المبدأ فلا يجوز العصف به كلياً وتحريمه على الإطلاق وإلا كان ذلك مصادرة كاملة للحق ذاته المكفول دستورياً وقانونياً - وكل ما تملكه الدول المنضمة للاتفاقية هو تنظيم ذلك الحق بحيث تنظيم التشريعات الداخلية طريقة الممارسة بما لا يضر بمصلحة جهة العمل الإدارية.
وعدم تدخل المشرع بوضع تنظيم لذلك الحق لا يعنى على الإطلاق العصف به أو تأجيله لحين وضع ذلك التنظيم.
الاتفاقية المشار إليها نشرت فى الجريدة الرسمية فى ٨ أبريل ١٩٨٢ بعد موافقة مجلس الشعب وتعتبر قانوناً من قوانين الدولة وما دامت لاحقة لقانون العقوبات ولائحة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فإنه يتعيين اعتبار ما ورد بهما من نصوص تحظر الإضراب وتحرمه على الموظفين العموميين بالدولة ملغاة ضمنياً - وإذا كان الإضراب حق مشروع كوسيلة من وسائل التعبير عن الرأى ومباح كأصل عام لكل موظف فإن ممارسة هذا الحق يجب تنفيذه بعدم التعسف فى استعمال الحق على ألا يترتب على ممارسة هذا الحق تعطيل مرافق الدولة بما يلحق الضرر بمصلحة جهة العمل.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية