ساخرون.. الحرافيش للحكومة: هابي فالنتين داي!
في عيد الحب يحلو الغناء ولكل فرد أنشودته التي تتوق لها نفسه وتتفتق بها ذاكرته.. اللهم إلا أن أمثالنا الحرافيش لم تتفتق أذهانهم إلا عن "كوبليه" واحد جاء ضمن أغنية كانت قد شدت بها سيدة الغناء العربى أم كلثوم وتركته لهم ميراثًا يتداولونه أبا عن جد في مناسبة مثل عيد الحب ليخرجوا به من كبوتهم ويغسلوا به حسرتهم.. "حب إيه اللى انت جاى تقول عليه.. انت عارف قبلة معنى الحب إيه؟!"
ورغم أن الحرافيش هم أكثر الناس إحساسًا بالحب فإنهم أقلهم تعبيرًا عنه، فالفقير قد لا يملك أدوات التعبير، بل لا يتذكر تلك المناسبات التي يجب أن يعبر فيها عن حبه وامتنانه لمن يحب.
أكتب هذه المقدمة بعد قراءتى تلك الرسالة التي وصلتنى ضمن رسائل كثيرة جاءتنى هذا الأسبوع والتي أعرضها عليكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة:
عزيزى الحرفوش الكبير.. هابى فالنتين داى.. معلش اعذرنى أيها الحرفوش الكبير، فلم أستطع كتابتها بالإنجليزية، كما أننى لم أعتد النطق بها لأى شخص إلا من قبيل "التريقة" والاستهبال على الآخر، لأننى ببساطة لا أعرف معناها.. لكنى أظن أنها تعنى كل "عيد حب وإنت كويس"... فنحن الفقراء يا سيدى لا نهتم بمثل هذه الأعياد ولا ننتظرها ولا نشعر بانقضائها وكأنها لم تكن.
يعنى أنا مثلًا مطلوب منى أن أستيقظ في الخامسة صباحًا حتى ألحق طابور العيش.. ثم أشترى الفول والطعمية، وهذا هو إفطار زوجتى والأولاد قبل ذهابهم للمدارس.. ثم أذهب لعملى وأعود لأنام ساعتين وأقتات لقيمات الغداء مع أبنائى.. لأذهب للعمل الإضافي الذي يساعدنى في سد عجز موازنة الراتب الذي أحصل عليه من العمل الأصلى..
وكل هذا ليس من أجلى بل من أجل أبنائى وأم أبنائى، كى لا يمدوا أيديهم لغير الله ولا يحتاجوا إلى أحد.. يقول مرتاحو البال عنى إننى أحب أبنائى وأمهم زيادة عن اللازم، وأبنائى يصفون حبهم لى لزملائهم في كل مناسبة.. لكننا أنا وأبنائى لم نقدم يوما هدايا عيد الحب هذا لبعضنا البعض، ولم نتبادل التهانى.
الحب عندنا يا سيدى ليس له عيد ولا تقيمه الهدايا.. فلا نحن نملك القدرة على شراء هداياه مهما قلّت تكلفتها، ولا نحن لدينا الوقت الذي نتذكر فيه مثل هذه المناسبات.. طبعًا هتقول لى كلام زى كلام التليفزيونات: هات وردة والحاجات دى.. طب أنا أحرج نفسى وأجيب وردة ليه وأظهر بمظهر العاجز طالما إن المدام مش في دماغها أصلا عيد حب ولا عيد كراهية؟!
فقد حدث يا سيدى الحرفوش أنه كان واحد جار رأى احتفالات عيد الحب على شاشة التليفزيون وكانت بجواره زوجته، فنظرت إليه نظرة تعنى "إحنا فين من الحاجات دى؟".. سمع جار حديث زوجته وأنينها المكتوم، فشعر الرجل بالحرج عندما نظر إلى جلبابها المرقع الذي لا تبدله إلا بجلباب آخر أكثر منه رُقعا، فخرج في صباح اليوم التالى إلى عمله، وعندما عاد أحضر لها قطعة قماش وقال لها هذه هدية عيد الحب يا حياتى لتفصليها جلبابا بدلا من هذا الجلباب المرقع.. فرحت الزوجة وأخذت تدعو لزوجها، وقضيا ليلتهما في حب وسعادة، وكانت ليلة يا عمدة..
استيقظ الرجل بصعوبة في صباح اليوم التالى ليخرج إلى عمله فبادرته الزوجة بقولها: عايزة 50 جنيه يا سى محمد علشان أفصل القماشة.. فقال لها: يا أم أحمد سعر القماشة 40 جنيها فكيف يكون تفصيلها بـ50 جنيها؟!.. قالت: دى أسعار معروفة يا سى محمد!.. فقال لها: طب لايميها على الصبح وسيبينى أروح الشغل..
بالفعل ذهب جار إلى العمل، وعندما عاد وأثناء جلوسه بين أبنائه لتناول الغداء قالت له زوجته: متى سأذهب للخياطة يا سى محمد؟!.. فقال لها: ملعون أبوكى وأبو سى محمد وأبو الخياطة وأبو اليوم اللى جبتلك فيه القماشة! شعرت أم أحمد بالحرج أمام أبنائها، فانهالت على زوجها بالتوبيخ من عينة "أنا مستحملة الجوع والحرمان والبهدلة معاك علشان نربى العيال.. ويوم أن تذكرت أن تهدينى بقطعة قماش تستكتر عليا ثمن تفصيلها.. جيبتها ليه.. عشان أبروزها وأعيش على ذكراها.. أم لألفها سارى كما يفعل الهنود؟!".. فوقف أبو أحمد أمام الطبلية وسب زوجته وهددها بالطلاق إذا لم تقدر أنه متعب من العمل طوال اليوم، وهنا أخذت تتمتم بكلمات لم يفهمها، فشعر بالإهانة أمام أبنائه، فأقسم عليها أن تذهب لوالدتها حتى تعيد تربيتها من جديد..
وهانحن نحاول الإصلاح بين جار وزوجته، وكل هذا بسبب هدايا عيد الحب.. كل هذا يا سيدى لأنه فعل فعلا ليس من شيمنا، ولم يكن لنا.
عندى من تلك الأمثلة الكثير مما يضحكك ويبكيك، لكن طلبى منك أن تبلغ رسالتى هذه للسيد رئيس الوزراء وحكومته.. قل لهم يا سيدى إن الفقراء في هذا الوطن لا يتوقون إلى هداياكم التي هي عبارة عن تصريحات.. قل للحكومة يا سيدى إننا نريد أن نحيا كراما.. نريد راتبًا آدميا.. فلن يعيش المرء على ما يتحصل عليه ببطاقة التموين المدعمة.. لأننا كى نستخدم الزيت لابد لنا أن نشترى لوازم الطبيخ، وكى نستخدم الدقيق لابد لنا أن نشترى لوازم الخبز، في حين أن أسرنا راضية باللاشىء.. فهداياكم مثلها مثل هدية جار محمد لزوجته أم أحمد ( قطعة قماش لكن ليس معنا ثمن تفصيلها ).. قل للحكومة يا سيدى "هابى فالنتين داى" وكل عيد حب وإنتم كويسين!