رئيس التحرير
عصام كامل

شوارع مصر المخنوقة


في شوارع كل دول العالم تجد لافتتين مكتوب عليها "النقل الثقيل يلزم الجانب الأيمن" و" ممنوع مرور الشاحنات في غير التوقيتات المحددة"، لكن في مصر لا يلزم النقل الثقيل يمين الطريق، ولا يسير في الأوقات المحددة بين الثانية عشرة ليلا إلى السادسة صباحا، وإذا صادفت هاتين اللافتتين، فاعلم أنهما مجرد "بوية" على "صاج" لا أكثر، وأنهما من زمن مصر العتيقة وقت أن كان بها قانون.


من نوادر الطرق السريعة في مصر هذه الأيام أن تشاهد اثنين من سائقى التريللات يسيران على نفس السرعة عن عمد في ظاهرة أشبه بـ "البلوك" ليمنعان السيارات خلفهما من المرور، ومن دون أن يحاول أحدهما خفض أو زيادة سرعته لفتح الطريق، بل قد يديران مع بعضهما حوارا مطولا غير عابئين أو مهتمين بما يطلقه سائقو السيارات من "كلاكسات" استغاثة لفتح الطريق.

الغريب أن مناطق "عنق الزجاجة" الضيقة "المزنوقة" على الطرق أصبحت مفضلة لكى "يركن" فيها سائقو الشاحنات ويقضون استراحتهم أو ينامون في الكابينة ويسببون ازدحاما، وكلما سافرت سفرا طويلا سترى عشرات الشاحنات المعطلة على الطريق. 

على طريق الواحات في أكتوبر وعند الدوران المؤدى للطريق الدائرى توجد منطقة اختناقات ويصاب الطريق بشلل يومى متكرر دون حل، ويتعطل كل قائدى السيارات نصف ساعة بسبب الشاحنات، ببساطة لأنها تقطع الطريق وتحتاج إلى مساحة عريضة وبطء في عملية الدوران، يحدث هذا في كل الطرق التي تشهد دورانات حتى كاد المواطن يشعر بأنه "مافيش فائدة".

أحد تداعيات ماسورة الفوضى التي انفجرت في مصر منذ 3 سنوات، هي رعونة وتهور واستهتار سائقى التريللات أو الشاحنات بمقطوراتها وبحمولاتها الزائدة والتي تقول الأرقام الرسمية إنها تسبب ثلث حوادث السيارات سنويا‏،‏ وتزهق آلاف الأرواح‏‏، وتتسبب في حوادث الهبوط المتكرر على الطرق، وتتكلف الدولة عشرات المليارات سنويا لإصلاح شبكات الطرق ومعالجة العيوب والمشكلات التي تسببها.

ظاهرة شوارع مصر المخنوقة أسبابها عديدة ومعروفة من بينها زيادة عدد السيارات وضيق الشوارع وانتشار الباعة الجائلين وغياب شرطة المرور وعدم وجود كبارى مشاة علوية أو إشارات ضوئية، ولا أحد ينكر أن النقل الثقيل لا يمكن الاستغناء عنه، باعتباره شريان الحياة للصناعة في المناطق القريبة من القاهرة، ولكن لا يجب أن نترك سائقى الشاحنات يمرحون ويتبخترون بهذا الشكل وكأنهم ينفذون مؤامرة متعمدة ضد الدولة والناس بخنق الطرق.

أثناء فترة حظر التجول كنا نلتمس العذر لسير النقل الثقيل في فترات النهار، وانتهى الحظر ولكن ظل السائقون يخرجون لسانهم للقانون ويسيرون نهارا دون أن يجدوا من يردعهم أو يوقفهم عند حدهم.

لقد استفحلت ظاهرة الاختناقات في الشوارع، وحكايات الناس عن الأرقام القياسية لزمن ذهابهم وعودتهم من أعمالهم أصبح يشيب لها الولدان، في مصر المخنوقة الآن، لا يجد أصحاب السيارات مواقف أو أماكن لسياراتهم، ويقضى الغلابة من ركاب المواصلات العامة ساعات محشورين في زحام الأوتوبيسات والشوارع قبل أن يصلوا إلى أعمالهم، مترو الأنفاق الذي يعد الوسيلة الأسرع للتنقل في مصر يحتاج إلى مصارعين وأبطال كمال أجسام للدخول من باب القطار ومن فرط الزحام وتعطل التكييفات تحول إلى علبة سردين المحشوة بكتلة من اللحم البشرى، ركاب التاكسيات أصابهم حرق الدم بسبب بطء السير والخناقات اليومية مع السائقين جراء الطمع والتسعيرة والعداد وخلافه.

مطلب تحرير شوارع مصر المخنوقة من الاختناقات وتوفير السيولة المرورية على كل الطرق، لا يقل في أهميته عن مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي ثار الشعب ضد نظام مبارك بحثا عنها، ومن غير المقبول أن يقضى المصريون نصف عمرهم في الشوارع، وأن تعجز الحكومات المتعاقبة عن التغلب على تلك المأساة.
الجريدة الرسمية