"الآنسة مي".. محطمة قلوب أدباء عصرها وأسيرة حب "جبران"
"الحب الأفلاطوني" نوع مختلف من الحب عرفته الأديبة الراحلة مي زيادة وعلمته للكثيرين، حب منعها من الزواج طوال حياتها وفاء للحبيب، الذي لم تره ولو لمرة واحدة، حتى فارقت الحياة، وظلت وفية له حتى بعد وفاته حتى أطلق عليها "الآنسة مي".
بدأت القصة عام 1912 بعد الرسالة التي أرسلتها للأديب المهاجر إلى نيويورك، جبران خليل جبران، تبدي فيها إعجابها بديوانه "الأجنحة المتكسرة"، وجاءها الرد على الرسالة، ومن هنا بدأت قصة الحب الأشهر في تاريخ الأدب العربي، قصة حب مي زيادة والأديب المهاجر جبران خليل جبران، وبدأ سيل الرسائل التي تحولت من كونها رسائل بين متحابين إلى عمل أدبي يعد من أهم أعمال الأدب الرسائلي، تلك الرسائل التي بدأت بلغة رسمية وبدأت تدريجيا في التطور لتصبح رسائل عشق ومحبة.
ويقر جبران بحبه لزيادة في إحدى رسائله، قائلا:
"أحبُّ صغيرتي، غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها، ولا أريد أن أدري بعقلي.. يكفي أنني أحبها.. يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي، يكفي أنني أسند رأسي إلى كتفها -كئيبًا غريبًا مستوحدًا فرحًا مدهوشًا مجذوبًا- يكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل وأن أقول لها بين الآونة والأخرى أنتِ رفيقتي، أنتِ رفيقتي".
لتتخلص هي الأخرى من تحفظها وتعترف بحبها في رسالتها "أحبك قليلًا، كثيرًا، بحنو، بشغف، بجنون، لا أحبك".
ومن ذلك الحين أصبحت روحها معلقة في سماء نيويورك، حيث يمكث نصفها الآخر، وأهدته قلبها ليصبح ملكا له، وتستمر علاقتهما الرسائلية لمدة 20 عاما من المراسلات، ويموت قلبها بموت جبران عام 1931، لتكمل زيادة حياتها محطمة القلب وتطلق على نفسها "أرملة جبران" وتكشف عن علاقتهما ورسائلهما المتبادلة.
لتصبح "الآنسة مي" أرملة للشاعر والأديب جبران خليل جبران، الذي لم تتزوجه، بل لم تلتق به يوما، في الوقت الذي تحطمت فيه قلوب أدباء ومثقفي الوطن العربي، الذين تعلقوا بها وأصبحت هي ملهمتهم ومفجرة إبداعاتهم، فكانوا جميعا يحرصون على حضور صالونها الأدبي، الذي كان ملتقى للأدب والإبداع، ومكانا تتحطم فيه القلوب أمام عيون الآنسة مي.
أحبها الكثيرون من عمالقة أدباء عصرها، وأعلنوا عن ذلك صراحة، ومنهم أحمد لطفي السيد، ومصطفى عبد الرازق، وطه حسين، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، وأنطون الجميل، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وكان من أشهر هؤلاء الأدباء، وأكثرهم حبا لمي هو عباس العقاد، الذي كان متيما بها وكتب روايته "سارة" التي كانت تروى بشكل غير مباشر علاقته بمي زيادة.
وتميز العقاد عن غيره من متيمي الآنسة مي، بتبادل بعض الرسائل معها، إلا أنها لم تكن كتلك الرسائل التى تبادلتها مع جبران، فلم يكن لديها قلبان لتهدي أحدهما لجبران خليل جبران في أمريكا، والآخر لعباس العقاد في مصر، وجاء في جزء من الرسائل التي توجهت بها مي للعقاد ويبدو فيها التلاعب بقلب العقاد وحيرتها في مشاعرها نحوه، حيث قالت:
"لكن إعجابي بقصيدتك البليغة في معناها ومبناها فاق كل إعجاب، وقد اغتبطت بها غبطة لا حدّ لها، واحتفظت بها في مكان أمين بين أوراقي خوفًا عليها من الضياع، إنني لا أستطيع أن أصف لك شعوري حين قرأت هذه القصيدة، وحسبي أن أقول لك: إن ما تشعر به نحوي هو نفس ما شعرتُ به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت في بلدتك التاريخية أسوان، بل إنني خشيتُ أن أفاتحك بشعوري نحوك منذ زمن بعيد، منذ أول مرة رأيتك فيها بدار جريدة "المحروسة": إن الحياء منعني، وقد ظننتُ أن اختلاطي بالزملاء يثير حمية الغضب عندك، والآن عرفتُ شعورك، وعرفتُ لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران".