رئيس التحرير
عصام كامل

جمال عبد الناصر.. مش ناصرى


حينما بدأت حياتى الصحفية بجريدة العربى التابعة للحزب الناصرى عام 1999، كان السؤال الذي يتردد على مسامعى من كل من حولى داخلها وخارجها: أنت ناصرى؟


وبعد 5 سنوات ويزيد ذاق خلالها "صحفيون" المرار مع أقطاب الحزب ونال المحظوظون وحدهم أكثر من حقهم وخرجوا إلى العالم بين ضائعين ومدعى نضال، عاودت وغيرى التجربة داخل صحيفة الكرامة "الخاصة" التي يديرها مؤسسو حركة وحزب تحت التأسيس يحمل نفس الاسم على رأسهم نفس رئيس التحرير حمدين صباحى، وبنفس الأسلوب وذات الطريقة جرى التعامل مع "الصحفيين" وتصنيفهم ما بين منتمين للزعيم القائد، أو بالأصح نسخته الجديدة، ومعادين له ولو كانوا غير مسيسين.

وما بين التجربتين، كان اسم عبد الناصر هو الصنم الذي يصنعونه من "العجوة" صباحا ليأكلونه في المساء ويلقون بقاياه على موائد سهراتهم، فالرجل رحمه الله، لا يزيد في تقديراتهم عن سيرة يحتكرون حقيقتها ويملكون وسائل زيفها، حتى تشتتوا قبائل وجماعات لا تختلف مرجعيتها إلا عند اقتضاء المصلحة، أو قل السبوبة بمصطلحات القرن الحادى والعشرين التي لم يعرفها الرئيس الميت فقيرا.

وما يستدعى عودتى إلى سيرة بدأت قبل 15 سنة، الطريقة غير اللائقة التي يصر عليها بعض أتباع المرشح حمدين صباحى في التعامل مع من لا يرون رجلهم مناسبًا لشغل منصب الرئيس، أو من لا يريدون ترشحه في هذا الظرف ويدعون إلى السير خلف ما يسمونه "الشارع" باتجاه دعم مرشح بعينه، وكذا عمليات الإقصاء والتشويه التي وصلت حد أفعال البلطجة ردًا على شباب حركة تمرد ومحاولات الإساءة لنجل عبد الناصر لمجرد أن أعلن موقفه بوضوح في شأن تأييده مرشحا للرئاسة.

وبدت قمة التطرف في "جليطة" البعض ردا على موقف الدكتورة هدى عبد الناصر المؤيد للسيسى، لتبدأ وصلات الردح في حق من قررت يومًا انتخاب الفريق شفيق في مواجهة مرشح الإخوان، مستندة إلى وجهة نظرها في دعمها رجل دولة مارس الإدارة وتوغل في دواوين الحكم، وحملات التلطيش ضد كل من يعارض إرادتهم.

ربما فردية اتخاذ القرار داخل تيار "حمدين" المسيطر على "التيار الشعبى" وعلى حزبه، كانت وراء تصاعد هذه النغمة بشكل يمثل خطرًا على مستقبل صباحى السياسي نفسه، بعد أن كان حضور "التيار الشعبى" نواة لقوة سياسية حقيقية تستطيع الشروع في بناء مجتمع قوى من أسفل.

راجع حملات الاستقالات داخل "التيار الشعبى" والانشقاق عليه الآن بتيار مستقل اعتراضًا على سيطرة "تيار حمدين" ونرجسية رئيسه وعجرفة من حوله، ثم الاستقالات الجماعية داخل حزب الكرامة وآخرها بأسوان، اعتراضًا على قرار "فوقى" يتخذه نفس "تيار حمدين"، قبل أن تستمع إلى ادعاءات حمدينية بأن الوطن يسير إلى صوت واحد وفى اتجاه واحد لأجل صعود مرشح واحد.

ثم عُدْ إلى إنجازات وحصاد هذه السياسات "الحمدينية" وما شابهها لـ"متناصرين" ومتاجرين بجمال، وحدد ضرورات واضحة للمصريين ليقبلوا على أنفسهم حكم المتحدثين باسم شخص "مات وشبع موت" نطلب له الرحمة والمغفرة على ما أخطأ ولما أصاب، كما نطلب التوبة للمتاجرين بسيرته وتاريخه وهموم العمال والفلاحين والمهنيين ضحايا تواطؤهم مع من نهبوا استحقاقاتهم.

لو أن عبد الناصر بيننا الآن لقال عنه الحمدينيون إنه "غير ناصرى"، ولو عاش بيننا لتجسس المتاجرون باسمه عليه، ولو قرر دعم استحقاقات شعب ثائر لخرج عليه عبدة المصالح، يكفى الرجل فخرًا أن نسب تجربته لشعبه، وفكره واجتهاداته فقط لنفسه، لتظل إخفاقاته وأخطاؤه ملتصقة به ونجاحاته منسوبة لبنى وطنه دون تمييز.

المصريون ليسوا بحاجة إلى اختلاقات لشبيه عبد الناصر أو غيره، بل في انتظار مشروع حقيقى يقدر أحلامهم وحجم أزماتهم، ويقدر أصحابه على ترجمته إلى واقع جديد ينهى آلامهم ويحترم ضعفهم وينهض بقوتهم.. فقد شبعوا نصبًا بأسماء الزعماء.
الجريدة الرسمية