"لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" .. ملحمة تروي قصة قتل الإنسانية
"لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" حين نقرأ هذا العنوان على غلاف رواية، ستنجذب أعيننا تلقائيا إليها ويبدأ الذهن في إثارة التساؤلات، ماذا يعني الكاتب وماذا يريد من هذا الاسم؟ أهو دعوة للثورة وخروج السكاكين من المطابخ لتكون سلاحا للثورة، أم هو دعوة للسلمية والابتعاد عن الأسلحة والحدة حتى في المطابخ!!
وبعد لحظات من الدهشة تدفعك إلى فتح الرواية لتجيب على التساؤلات التي أثارت ذهنك، تجد نفسك تنتقل سريعا من صفحة إلى أخرى، ومن فصل لآخر وسط حالة من الحزن والأسى والدمار الاجتماعي والإنساني، لتكتشف في النهاية أن عنوان الرواية ما هو إلا دعوة للتخلص من الحياة، حيث يسيطر اليأس على أحد مواطني مدينة حلب السورية بحرق زوجته وأولاده وطعن نفسه بسكين، متسائلا "ألا يوجد سكاكين في مطابخ هذه المدينة".
الرواية التي كتبها الروائي السورى خالد خليفة وفازت بجائزة نجيب محفوظ، ووصلت إلى القائمة القصيرة والمرشحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر"، تسيطر على أجوائها حالة من اليأس الذي يخلفه الفساد الاجتماعي والإنساني الناتج عن انقلاب حزب البعث وتولي حافظ الأسد الحكم في الستينات، وما نتج عن ذلك من انقسام البلد إلى شطرين منها المؤيد للانقلاب "حكم الأسد" ومنها المعارض، وينتج الفساد والدمار هنا من عدم تقبل المعارضين للحكم، والقضاء عليهم بصور تصورها الرواية في مشاهد بشعة.
ورغم أن الرواية تتوقف أحداثها عام 2005 وقبل قيام الثورة السورية المستمرة حتى الآن، إلا أن القارئ قد يعتقد لبرهة أنها تروي أحداث الثورة السورية لما بها من مشاهد تثير الشفقة والفزع والرعب في القلوب والتي نشاهدها منذ ثلاث سنوات متواصلة على شاشات الفضائيات، إلا أن الرواية كانت توثيقا لربع قرن سبقت قيام الثورة، فقد تمكن خليفة من خلال روايته أن يجعل القارئ يرى بعينيه الجمر الذي أشعل الثورة.
ويستعرض خليفة من خلال الحكايات والأحداث التي يرويها بروايته، تاريخ الديكاتورية والعنف للحاكم والسلطة العسكرية منذ عشرات السنين، وما تمارسه من عنف ممنهج، والصراع بين الاتجاهين الديني والعسكري، ليجد القارئ العربي نفسه يعيش في نفس الظروف والقهر العسكري وسيطرة الحاكم على البلد وكأنه يمتلكها، والقضاء على الصوت المعارض لها قبل أن يخرج مستخدمة كل الأساليب والطرق الممكنة لذلك، تلك الأساليب التي تقضي تدريجيا على الإنسانية وقد تدفع مجتمعات كاملة إلى الجنون، أو اليأس والقتل والانتحار، وهو ما أوحت به الرواية للقارئ.
وتبقى في النهاية مدينة "حلب" السورية" معبرة عن حال شقيقاتها من المدن العربية، التي تعاني من القهر والدمار وقتل الإنسانية داخل أبنائها.
وعن الروائي خالد خليفة فهو كاتب سيناريو وروائي وشاعر سوري، اشتهر بروايته "مديح الكراهية" التي جذبت اهتمام وسائل الإعلام والقراء في جميع أنحاء العالم، ووصلت هي الأخرى للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الأولى في عام 2008، وتم ترجمتها إلى عدة لغات وهى "الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، النرويجية، الإنكليزية، الإسبانية".
ومن المعروف عن خليفة انحيازه للثورة السورية، ومشاركته فيها منذ اندلاعها في 2011، وسبق أن تعرض للضرب حتى كسرت يده خلال اعتداء أجهزة الأمن السورية عليه أثناء مشاركته في تشييع الموسيقي السوري ربيع غزي.