كلام لا مؤاخذة.. مش عن السيسى ولا مرسي ولا حمدين
في كل مكان في مصر الآن تركن فيه سيارتك، في الشوارع العامة والميادين والحارات، يهبط عليك كالشبح واحد من إياهم، يقف على رأسك ويقول لك "تعالى ياباشا".. التسعيرة موحدة، والدفع مقدما، وإذا جادلت معه ورفضت أن تدفع له عشرة جنيهات على أقل تقدير، سوف يضعك في دماغه وربما يجرح هيكل سيارتك بمسمار أو بآلة حادة أو يفرغ إطارات السيارة إذا اقتربت من المكان مرة أخرى، يحدث ذلك حتى لو كنت تقف في شارع عام ليس فيه أي زحام، وحتى لو لم تكن في حاجة لمساعدة ذلك "الشبح".
الغريب أنك لا تجده ولا تراه أثناء مغادرتك بالسيارة، ثم إنه لا يؤدى أي مهمة نظير هذا المبلغ، وإذا دفعت أقل من ذلك تجد أمامك فيلسوفا اقتصاديا يحدثك عن أن الجنيهات الخمسة لا تكفى لشراء شيكولاتة لابنه الصغير حمادة، وإنك لازم تكون راجل "حسيس" تتواكب مع متطلبات العصر وتدرك أن الجنيه المصري ما بقاش له قيمة أمام "الدورارررر"، أما إذا أخرجت جنيهات "فضية" بحجة أن سيارتك ستمكث خمس دقائق فقط، فإنك تفتح باب السخرية على نفسك وربما تدخل في اشتباك قد تسمع فيه تلميحات وتهديدات قد لا تروق لك.
من هؤلاء؟ ومن الذي منحهم مشروعية الوقوف في هذه الأماكن وابتزاز الناس بهذا الشكل؟ لا أعرف، الشوارع والمواقف من ممتلكات أي دولة، ولكن شوارع مصر- التي قامت فيها ثورتان وخلع شعبها نظامين– صارت محتلة من البلطجية وأصحاب السوابق والعاطلين، وضعوا يدهم عليها في غيبة الدولة، ويتعاملون معها باعتبارها من ممتلكاتهم التي ورثوها عن آبائهم، ولا يفعلون شيئا سوى الإمعان في ابتزاز أصحاب السيارات تحت شعار" الدفع أو الإهانة لمن يمتنع".
وليس مطلوبا من هؤلاء سوى أن يمسكوا بـ "فوطة" قديمة ويقفوا بجوار باب سيارتك في "رزالة" ليس لها حدود ويمارسوا الـ"رخامة" ويزهقوك في عيشتك لغاية ما "تقب" بالمعلوم.
بحسبة بسيطة إذا كنت من الذين أنعم الله عليهم بسيارة، ولديك 5 مشاوير في شوارع مصر المحروسة، عليك أن تدفع مجبرا بين 50 و100 جنيه في المتوسط كإتاوة في كل "ركنة" حتى لو خمس دقائق.
ظاهرة البلطجية الذين يقفون فى الشوارع ك"المتاريس" ويهددون أصحاب السيارات، لا تقل خطورة عن ظاهرة الباعة الجائلين الذين يخنقون ويغلقون شوارع وسط القاهرة، ولا تقل في إزعاجها عن ظاهرة التكاتك التي ملأت الشوارع العامة وتشوه وجه مصر، فلماذا لا يتم استنساخ تجربة المواقف المدفوعة في دولة مثل الإمارات، هناك تضع الدولة يدها على كل شبر في الشوارع، وتوفر ماكينات يضع فيها صاحب السيارة العملة الفضية، ويحصل من الماكينة على إيصال مدون فيه التوقيت يضعه في تابلوه السيارة من الداخل لكى تراه شرطة المرور المنتشرة بكثافة في كل الأماكن، ومن يجرؤ على إيقاف سيارته بدون أن يدفع للدولة رسوم الانتظار 2 درهم عن كل ساعة، يجد المخالفة الفورية ملتصقة على سيارته بدون تحذير أو تهاون أو تردد، وفى الأعياد والإجازات الرسمية وأوقات غير الذروة من اليوم تتوفر هذه المواقف مجانا.
أنا وغيرى على استعداد أن ندفع لخزانة الدولة رسوم الانتظار عن طيب خاطر إذا كانت مردودها سينعكس علينا في صورة بنية أساسية ومرافق وخدمات متطورة، فلسنا أغنى من دول الخليج التي تحقق عائدات يومية ضخمة من المواقف المدفوعة، ولا يصح أن نفرط في آلاف الجنيهات يوميا هي في الأصل حق وملك لخزانة الدولة ونتركها تذهب إلى جيوب "عفاريت الأرصفة".