رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الإلهام


لاشك أن دولة كبيرة في السن والمقام كالدولة المصرية تحتاج إلى العلاجات الجذرية، وفي نفس الوقت لا يمكن لأي مسئول ألا يلبي الاحتياجات السريعة والمؤقتة للمواطنين لضمان عدم الانفجار، ولأننا تركنا أزمات مصر ( أو ما أسميه المسألة المصرية) تستفحل حتى أصبحت الحلول الإستراتيجية مسألة تكاد تكون شبه مستحيلة، وأصبح العلاج بالمسكنات هو الواقع الفعلي والذي يبدو أنه من المستحيل تغييره، بحيث لا يجوز على الإطلاق عدم العلاج السريع، تاركين العلاج الإستراتيجي للمرض المستفحل لمن سيأتي يوما ما ليقدم تلك الحلول التي تحتاج الآن إلى عقل ملهم وإعجازي.


ولا يمكن لعلماء العالم لو اجتمعوا أن يقدموا حلولا للمسألة المصرية يبدو أن تنفيذها على المدى الطويل سيستنزف الثروات، مما يجعل مصر دولة مكبلة تماما بالديون، والانفجار السكاني (الذي أساسه ديني واجتماعي محض)، وكذلك الأمية بمعناها العلمي والاجتماعي والصحي والثقافي والمعلوماتي، وأيضا انخفاض دخل الفرد المستمر ليصل إلى حد الفقر، وأيضا أزمات البنية الأساسية التي لم تعد تتحمل هذه الزيادات، والتلوث الذي أصبح مرضا في كل بيت في مصر، ناهيك عن تلوث المياه، وتلوث الطعام وتلوث الكلام، ومع ذلك فنحن نعيش على تلك الأرض ونقاتل من أجل لحظة سعادة!

السؤال الملح، كيف يمكن أن ننقذ مصر ونعيد إليها قوامها الرشيق من الثقافة والتقدم والجمال والحرية والديمقراطية، بديلا عن الترهلات التي أصابت جميع أعضائها، دعونا نحلل هذا السؤال إلى مجموعة من الأسئلة الأصغر، أولا من يقوم بذلك، ومن سيساعده على ذلك؟ ومتى يتم ذلك؟ وكيف يمكن تنفيذ ذلك دون انفجارات مجتمعية وسياسية؟ وكم تكلفة ذلك اقتصاديا ومجتمعيا؟ والسؤال الأخير أين نبدأ ذلك؟ وماهو حجم الإلهام المطلوب لتنفيذ ذلك؟ أي أننا نحتاج خريطة متكاملة لإنقاذ مصر، خريطة تعالج الأوضاع على المدى القصير، وخريطة تعالج الأوضاع على المدى المتوسط، وخريطة تعالج الأوضاع على المدى البعيد!

لقد أنقذنا مصر في الوقت الحالي، وبحجم تكلفة باهظ، وهناك بعض القلاقل ما زالت مستمرة لم تنته بعد، وأعتقد أن كل ذلك سينتهي قريبا، وقريبا جدا، وأن المصريين الخارجين على إجماع الأمة عليهم أن يعلموا أن أزمة الهوية المصرية قد انتهت، لكن في ذلك الوقت فإن السبب الرئيسي في ذلك هو تراخي مؤسسات الدولة عن القيام بأدوارها حتى الآن، وحتى هذه اللحظة ما زال العقل الرئيسي، والعقول التي تقود مؤسسات الدولة أبعد ما يكون عن الإحساس بالأزمة التي تعيشها الدولة، مؤسسات الدولة جميعها (جسد مصر المريض الحقيقي) يحتاج إلى كثير من العلاج والإصلاح، ولا يمكن أن تقدم هذه المؤسسات أي علاجات حقيقية إلا إذا تم إصلاحها مؤسسيا من الداخل، وهى نقطة جوهرية تحتاج مزيدا من التعليق.

نحن نفكر في الحاضر والمستقبل، نحتاج إلى كل البشر الذين يمكنهم أن يقدموا مشورة ملهمة، وليس إصلاحا علميا مجردا فشل عشرات المرات لأنه لا يهتم بالموروث الاجتماعي، إننا كمن يرتقي جانبا من الجسد فينفجر جانب آخر، هناك أبعاد اجتماعية ودينية واقتصادية وثقافية للمسألة المصرية لا تتشابه فيها مع أي دولة في العالم، إن رأس مصر هو الذي نجح الجنرال السيسي في إنقاذه ووضعه فوق مستوى الماء.

لكن الجسد ما زال ثقيلا ومترهلا، لا تنفع فيه أي علاجات مؤقتة، يحتاج إلى آلة من نوع خاص جدا، يحتاج إلى من يؤمن بالقومية المصرية، ومن يخلص في دعمها، ومن لا يكون له أي أغراض خاصة في الإصلاح، مصر تريد "سيسي" تلتف حوله ويملك لها الحلول، فالمصريون كما يلتفون سريعا يحتاجون إلى من يجعلهم يقدمون أرواحهم من جديد فداء لوطن رأسه فوق الماء وجسده الثقيل ما زال تحت الماء!
الجريدة الرسمية