الشعب.. ماذا يريد؟
ربما يبدو سؤالًا منطقيًا.. وشرعيًا..ومشروعًا.. ولا غبار عليه..ولكنه سؤالٌ مُحير..خاصة لمن يُريد حقًا أن يعرف.."ماذا يُريد الشعب؟".
فالشعب المصرى..شعبٌ مُحير.. يعمل بالمثل القائل "اصبر على جارك السو" فيصبر حتى يمل الصبرُ من صبره.. ثم وبلا مُقدمات أو توقع ينتفض ويثور ويُصبح كالطوفان ويعمل بالمثل القائل "إيش تاخد الريح من البلاط"..هذا الشعب الذي عانى لسنوات طويلة الفقر.. والجوع.. والحرمان..هذا الشعب الذي يعيش معظمه حياته يومًا بيوم.
هذا الشعب الذي ارتفعت فيه نسب الأمراض إلى معدلات غير مسبوقة..ومخيفة..هذا الشعب الذي يُعانى الملايين من شبابه من البطالة..والعنوسة..هذا الشعب الذي يعيش معظمه تحت خط الفقر.. ومن يتخط حدود الفقر يعش على حد الكفاف..هذا الشعب الذي تدنت مستويات التعليم بمؤسساته حتى خرجت كل جامعاته من أي تصنيف عالمى..هذا الشعب الذي عرف الغربة بكثافة في سبعينيات القرن الماضي..ومازالت الغربة تستنزف أعمار أبنائه.
هذا الشعب الذي يتطلع ويتلهف أبناؤه للهروب منه بحثًا عن بصيص أمل في الحياة بعيدًا عنه إلى درجة ركوب زوارق الموت.. وهم يعلمون أنهم قد يلقون حتفهم غرقًا..ولكن الأمور تساوت عندهم وكلا الأمرين مرٌ..وكلاهما موتٌ بطىء..أحدهما موت يومى..والآخر أسرع من لمح البصر..هذا الشعب الذي يعيش ملايين من أبنائه في العراء بلا سقف يحميهم أو جدران تضمهم..هذا الشعب الذي خرج في 25 يناير رافضًا الظلم.. والقهر الأمنى..فتحول رفضه إلى ثورة غضب..اجتاحت في طريقها كل شىء..وارتفع سقف مطالباته وصرخ بمطالبه "عيش..حرية..عدالة اجتماعية..كرامة إنسانية".
هذا الشعب الذي ثار مرة أخرى في 30 يونيو ليسترد ثورته بعدما سرق الإخوان..هذا الشعب الثائر..الغاضب.. انخفض سقف مطالباته.. بعد ثلاث سنوات على الثورة..حتى وصلت إلى مجرد طلب الستر والآمان..
هذا الشعب الذي خرج ووقف في طوابير الانتخابات بالساعات استجابة لمختلف القوى السياسية يدعمها في المطالبة بالديمقراطية..ومعظمه لا يعرف ما هي الديمقراطية.. يدعمها في الانتخابات وهو يعرف أنه لن يحصل منها على شيء.. يدعمها في الدستور.. ومعظمهم لم يقرأ حرفًا فيه..ولكنه خرج طلبًا للخلاص..ولعل وعسى تكون الصناديق سببًا ووسيلة لتحقيق أقل طموحاته في حياة كريمة.
هذا الشعب الذي استغلته كل القوى الثورية ومدعية الثورة..السياسية..ومدعية السياسة..الدينية والمتسترة وراء الدين.
هذا الشعب جرب كل شىء..و تحمل كل شىء.. ولم يحصل حتى الآن على أي شيء..هذا الشعب يضع الآن كل طموحاته على كاهل الرئيس القادم..هذا الشعب لا يريد من الرئيس القادم أن يملك عصًا سحرية..ولكنه يتمنى أن يملك قلبًا وضميرًا ليشعر بمعاناته ويُخلصه مما وصل إليه من فقر..وجهل..ومرض..وبطالة.
هذا الشعب لا يريد سوى "أربعة حيطان.. تلمة"..و"مستشفى آدمي"..و"علاج يليق بالبشر"..و"تعليم حقيقى"..و"فرصة عمل".. هذا الشعب لا يريد غير "الآمان"..و"فرصة حياة"..حياة حقيقية ككل البشر..لا ملامح حياة.. أو"شبه حياة".
هذا الشعب لا يطلب المستحيل.. بل يطلب الحد الأدنى لعيشه آدمية..فهل يمكن له أن يعيش..هذا ما يريده الشعب..أو على الأقل ما أتصور أنه يُريده.