رئيس التحرير
عصام كامل

ساخرون.. حقّا يا سيسي كولا.. السيسي قاتل!

فيتو

حينما كنت أجلس وحدي مع نفسي في إحدى زوايا قلعة صلاح الدين الأيوبي، إذا بي أرى رجلا عجوزا أخذ منه الزمن وأحنى ظهره، اقترب مني هذا العجوز وألقى السلام بصوت واهن، فقمت برد السلام، جلس الرجل بجواري ثم ربت على ركبتي، انتظرت أن يتكلم الرجل ولكنه لاذ بالصمت، فما كان مني إلا أن قلت له: إزيك يا حاج، خير.. حضرتك عاوز حاجة.

قال العجوز: أما منك فلا، لكن من الله، عالم الغيب والشهادة.

قلت في نفسي لقد وقعت يا جوسقي في براثن أحد الدراويش، هذا درويش ولاشك، وسيقوم بترديد بعض الترهات والتخاريف، وأولى بي الآن أن أترك هذا المكان وأنصرف.

فإذا بالرجل العجوز يقول لي: لا لن تنصرف الآن، وأنا لست من الدراويش.

أصابني الذعر، فقد كنت أحدث نفسي، فكيف عرف الرجل ما جال بخاطري !!.

قال الرجل: لا تجزع فما أنا إلا عبد من عباد الله، أتاني الله علما، وقد أتيت لأخبرك بأمر جلل.

قلت للرجل: كنت أظن أن الله قد أتاني أنا الآخر علما من لدنه، ولكن علمي لم يصل إلى علمك إذ أنني لا أستطيع قراءة أفكار الغير.

رد الرجل: وفوق كل ذي علم عليم، ولعل ما عندك من علم ليس عندي، وما عندي ليس عندك، فقد أتانا الله علما، ولم يؤتنا العلم، فالعلم لا يؤتى كله، الله فقط هو العليم بألف ولام التعريف.

قلت للعجوز: يبدو أنك من رجال الله الذين يُعرفون بسيماهم، قل أيها العجوز ما عندك فكلي آذان صاغية.

قال العجوز: سيسي كولا.

!!!!!! قفزت علامات الاستفهام أمام ذهني، وقلت للرجل: ماذا تقصد ؟

فقط كنت أخبرك عن الماضي: قالها العجوز بصوته الواهن.

وما الماضي ؟: قلتها له.

قال العجوز: سبحان الله، فالقلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء، والله هو الذي وضع قوانين هذا الكون، ومن قوانين الله في الدنيا قانون اسمه “كما تدين تدان”.

سكت العجوز وأنا أستحثه على الاستمرار في الكلام ثم قال: هل تعرف أن الإخوان كانوا سينشئون ذات يوم شركة للمياه الغازية تحت اسم سيسي كولا.

قلت له متعجبا: يا سلاااام.

قال: نعم، اسمع مني هذه الحكاية.

كان هناك رجل من قيادات جماعة الإخوان اسمه الحاج عباس السيسي، وكان هذا الرجل من أفراد النظام الخاص بالجماعة، وسبق له أن اشترك في الحرب العالمية الثانية، وبعد أن انضم للجماعة عام 1936 وجد فيه البنا جنديا مخلصا يجيد السمع والطاعة بصورة مطلقة فقام بضمه للنظام الخاص، خاصة أنه كان من المقاتلين وله خبرة اكتسبها من الحرب العالمية الثانية.

قلت للعجوز: أنا أعرف عباس السيسي وسمعت عنه لكنني لم أعرف أنه كان من المقاتلين، هل هذا الرجل من أقارب الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع ؟.

استمر العجوز قائلا: لا ليس من أقاربه ولكن تشابه في اللقب، وقد أعطى هذا اللقب خديعة للإخوان إذ ظنوا أن الفريق السيسي ينتسب بصلة قرابة لرجلهم فركنوا إليه فكان في هذا نهايتهم... استمر العجوز: المهم أن تعلم أن عباس السيسي الإخواني اشترك ذات يوم في اغتيال أحد السياسيين المصريين، ولكن أحدا لم يعلم بالجريمة التي اقترفها هذا الرجل وخفي أمر القاتل عن الجميع، ومرت أيام وأزمان، وتم القبض على عباس السيسي عقب محاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954 حيث تم حبسه لمدة عامين، ثم قبض عليه مرة أخرى عام 1965 وأفرج عنه السادات عام 1974.

قلت له وأنا أستحثه: ها أكمل يا مولانا

قال العجوز: خرج عباس السيسي من السجن فاستقبله الإخوان استقبالا حافلا وكان أحد التابعين لمصطفى مشهور حيث ساعده في إعادة تأسيس الجماعة مرة أخرى، وطبعا أعطت له الجماعة أموالا ليديرها في استثمار تجاري فأنشأ شركة ألبان ثم دار نشر، ولكن مع انفتاح عصر السادات لمعت في ذهن الرجل فكرة.

قلت له: وما هي ؟

رد العجوز: أن ينشئ شركة للكولا على أن يكون اسمها “سيسي كولا”.

قلت له: وهل بدأ في تنفيذ الفكرة ؟

قال العجوز: نعم بدءوا في تنفيذ الفكرة وعهد السيسي لأحد المحامين من الإخوان اسمه عبد الله سليم تأسيس عقد الشركة، وبالفعل بدأ المحامي في التنفيذ ولكن حدثت عدة عقبات.

قلت: وما هي ؟

العجوز: أصر عباس السيسي على أن يكون ابنه معاذ شريكا في الشركة ومديرا لها، ثم إذا به بعد ذلك يطلب تغيير الاسم من “سيسي كولا” إلى “نعناعة كولا” !.

تعجبت وقلت: نعناعة ! وما هي علاقة النعناع بالكولا، لعلي قد سمعت شائعة علمية يقولون فيها إنك إذا وضعت حلوى النعناع على الكولا تصبح قاتلة.

قال العجوز: لا، ولكن نعناعة هي زوجة الحاج عباس، وقد أراد أن يكرمها فيجعل اسمها هو اسم المنتج ولكن الإخوان رفضوا، فقد كانت الفكرة الأولى أن تكون الشركة باسم “بنا كولا” ولكن الإخوان قالوا يجب أن ننأى بالبنا عن الحاجة الساقعة، فوافقوا على السيسي كولا، ولكن نعناعة كولا فهذه لا يمكن أبدا.

قلت للعجوز: وما الذي حدث إذن ؟

الذي حدث هو الاستقرار على اسم سيسي كولا، ثم وافق الإخوان على أن يكون معاذ السيسي ابن الحاج عباس هو أحد الشركاء على أن يكتب ورقة ضد يقر فيها بأن المال كله مملوك للإخوان، ولكن عباس السيسي رفض بإباء وشمم وقال لهم: وهل تخونوني بعد هذا العمر في خدمة الدعوة.

قلت: وماذا حدث ؟

قال العجوز: تعرقل المشروع بعض الشيء إلى أن مات الحاج عباس السيسي عام 2004 ولم تنشأ شركة سيسي كولا، ولكن معاذ وأخوته أخذوا أموال الإخوان التي كان يديرها أبوهم، ألم تكن الشركات باسمه.

قلت: أي شركات ؟

رد العجوز: اصحى معنا يا عم جوسقي، ألم أقل لك إن الإخوان كانوا قد أعطوا للسيسي أموالا من أجل تجارة الألبان ولدار نشر، هاتان الشركتان استولى عليهما أبناء عباس السيسي ورفضوا إعادة أموالها للجماعة، بل وكان السيسي قد أخذ من الجماعة مبلغا وقدره عشرة ملايين جنيه من أجل إنشاء شركة الكولا وضاعت هذه الأموال على الغلابة من القواعد الإخوانية الذين يدفعون اشتراكا شهريا على زعم أن هذا المال في سبيل الله، فأصبح هذا المال في سبيل الحاجة نعناعة وأولادها.

قلت له: ولكنك لم تقل لي ما معنى ما قلته بخصوص قاعدة كما تدين تدان ؟

قال العجوز: السيسي، اللي هو عباس السيسي اشترك في قتل سياسي مصري في الأربعينيات ولم يعرف أحد من هو القاتل، ولم تشر الاتهامات للجماعة، وبعد عمر قصير تم حبس عباس السيسي على خلفية قضية محاولة اغتيال عبد الناصر وهو في الحقيقة كان بريئا من هذه القضية، ولكن المذهل يا جوسقي هو أننا في أيامنا هذا نرى الإخوان يكتبون على الحوائط في كل مكان “السيسي قاتل”.

قلت له: وهل معنى ذلك أن..

قاطعني العجوز: الإخوان يكتبون بأيديهم الجريمة التي ارتكبها زعيمهم عباس السيسي، يقولون “السيسي قاتل، وهذا صحيح، فعباس السيسي قاتل، وقد جعلهم الله هم الذين يكتبون هذه العبارة بأيديهم، السيسي قاتل السيسي قاتل، مثبتين بذلك جريمة عباس السيسي التي كانت قد خفيت على الناس.

قلت: سبحان الله يا مولانا، ولكن قل لي كيف نتعامل مع الإخوان بعد نتيجة الاستفتاء المبهرة.

قال العجوز: الأمر بسيط جدا، إذا نده عليك أحد الإخوان فقل له: نعم، وإذا قدم لك خدمة فقل له: “تسلم الأيادي”.
الجريدة الرسمية