رئيس التحرير
عصام كامل

"بلع الظلط" للسيسى و"تمنى الغلط" لمرسي


فارق كبير بين رئيس يأتى بالتعيين والاستفتاء المشكوك في نزاهته أو حتى بالانتخاب الحر تحت شعار "قضا أخف من قضا"، ورئيس يطلبه الشعب بالاسم.


جاءت ثورة يوليو 52 بمحمد نجيب رئيسا لمصر، وجاءت أزمة مارس 54 بعبد الناصر، ومهد عبد الناصر للسادات، وجاء السادات بمبارك، وتسببت أنانية المرشحين للرئاسة بعد يناير 2011 في تولى محمد مرسي حكم مصر في غفلة من الزمن، وستجيىء الإرادة الشعبية الكاملة بالسيسى لحكم مصر.

وبين مجيىء عبد الناصر إلى السلطة عام 1954، ومجيىء السيسى في 2014 نحو 60 عاما، لكن الفارق بين الاثنين أن ناصر اكتسب حب الشعب بعد أن أصبح رئيسا بانحيازه للفقراء ووضوح الرؤيا والهدف وقوة العزيمة، بينما اكتسب السيسى هذا الحب قبل أن يصبح رئيسا لاعتبارات عاطفية أرضيتها الامتنان للرجل المخلص من كابوس الإخوان المجرمين الإرهابيين، وهى حالة إيجابية يمكن أن تفيد الشعب والرئيس، بعبارة أخرى الشعب سوف "يبلع الظلط" خلال المرحلة القادمة حبا في الرجل، بل قد لا يضعه ذلك على المحك ولن تتغير صورته إذا لم ينجز كل الاستحقاقات التي ينتظرها منه الجميع في تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية، بينما كان نفس الشعب "يتمنى الغلط" للمعزول مرسي لأنه جاء إلى كرسى السلطة كراهية بتصويت أخف الضررين، وبشعار درء الفلول مقدم على كابوس وكوارث وجرائم الإخوان.

لم يسأل أحد ماذا في جعبة السيسى وما هو برنامجه حتى يتولى حكم مصر، لأن كيمياء الرجل والشعب توافقت وصارت بينهما علاقة امتنان، تماما كمن أنقذ شخصا من الغرق، لا يمكن أن ننتظر ممن أوشك على الهلاك ألا يرد الجميل لمن جعله الله سببا في عودته إلى الحياة.

حالة مجيىء السيسى إلى كرسى الرئاسة قد تكون مثالية في هذا الظرف من تاريخ مصر، ببساطة لأن المصريين أصبحوا بعد 25 يناير 2011 في حالة ثورة لا تهدأ، وقد تصل إلى ما يشبه الانفلات السلوكى بحيث لم يعد هناك صبر على المشاكل المستعصية، وحالة الامتنان للرجل سوف تهدئ من الحالة الثورية للناس بل أجزم أنها ستجعلهم يتقبلون ما لم يكن مقبولا في زمن الإخوان.

دعنا نعترف بكل موضوعية بأن أزمات مصر تستعصى على قدرة أي رئيس في حلها خلال الأربع سنوات المقبلة.. ودعونا ننكأ الجراح وننقد الذات وهو سلوك الناس، هناك من أصبح يدمن المطالبة بحقوقه قبل أن يؤدى واجباته والتزاماته تجاه وطنه، هناك من يتغنى ليل نهار بحب مصر دون أن يقدم أي دليل، هناك من أدمن سحق القانون بقدميه ومخالفته واستمرأ الفوضى، هناك من لا يرهبه إلا العقاب، ومن لا يجيد العمل والإنتاج بقدر ما يجيد الحديث في السياسة.

أول ما يجب أن ينجزه السيسى وبشكل عاجل هو المشاكل الحياتية التي يئن منها معظم الناس وفاض الكيل بسببها، وعلى رأسها القضاء على الفوضى المرورية وزحام الشوارع وإلزام الشاحنات والتريللات بالسير بين الثانية عشرة والسادسة صباحا كما في كل دول العالم، واستيعاب الآلاف من أطفال الشوارع وسائقى التكاتك والمتسولين والباعة الجائلين الذين ينتشرون كالجراد في كل شبر ويشوهون وجه مصر ويغلقون الشوارع والأرصفة، وإنارة جميع الشوارع المظلمة، وإزالة أطنان القمامة من الشوارع، وتوفير اسطوانات البوتاجاز بالسعر الذي حددته الدولة، ورصف الطرق، وتوفير الأمان للناس وإعادة الشرطة إلى الشارع لتطبيق القانون وليس لإهانة المواطنين، وأظن أن إنجاز هذه الاستحقاقات التافهة سوف تهدئ حالة الشعب الثورية المستمرة منذ 3 سنوات.
الجريدة الرسمية