رئيس التحرير
عصام كامل

هويّة مصر


الجدل المتكرر حول هوية مصر أصبح أمراً ملحاً خلال الفترة القادمة وخصوصاً بعد التخوف من اندثار شخصية مصر أمام تيارات أخرى قادمة من الشرق تحاول أن تعبث فى جذور مصر التاريخية وتفقد المصريين بعضاً مما يتشبعون به من عادات وتقاليد وأيضاً أفكار .

 
وليس غريباً أن التخوف يأتى من نخب المثقفين الذين يرون فى وجود فصيل أو تيار معين على سدة الحكم أن يحمل منجل الجذر لتلك الأصول ويحاول أن يقتلع الشخصية المصرية من أرضها التى نبتت فيها منذ أكثر من سبعة آلاف عام .
 
قبل أكثر من خمسة عشر عاماً عملت كمندوب المبيعات أحمل فوق ظهرى حقيبة مليئة بالمنتجات الصينى التى غزت مصر فى ذلك الوقت وتجولت فى ربوع الدلتا مدناً وقرى ونجوعاً أبيع للبسطاء هذه المنتجات الرخيصة وكنت فى تلك الأثناء أتأمل المصريين وكأنهم مخلوقات جديدة أعرفها ، لقد تميزت كل محافظة بل كل قرية بعادات وتقاليد مختلفة بل بلهجات متباينة وملابس بل ووجوه، فأهل المنصورة وما حولها تختلف وجوههم الشامية عن أهل الإسكندرية الرومانية وأهل بورسعيد بالوجوه الفينيقية تختلف عن دمنهور القبطية وحتى فى أقاصى الدلتا من الفلاحين البسطاء البعض كان يشبه فى تكوينه الفرعونى إخناتون والبعض الآخر يوليوس قيصر ، لهذا الحد كانت مصر قادرة على أن تذيب كل هذه الأجناس فى جنس واحد اسمه "المصريون" .
 
آلاف السنوات مرت على مصر عبر أرضها من أول الهكسوس حتى الإنجليز ولم تتغير، فالعادات والتقاليد مازالت فرعونية مثل الاحتفال بأربعين الميت والذى كان يحتفل به المصريون القدماء بعد تحنيط الجثمان وحتى الغناء والنكات لم تتغير إلا قليلاً بتغير الزمن .

وأذكر واقعة مهمة عندما جاء الإمام الشافعى إلى مصر وكان قد كتب كتابه الفقهى " الأم " فى مكة وعندما حط الرحال فى مصر وجد المصريون لهم عادات غريبة فكان الرجل المستنير يطور من فقهه ليتواءم مع المصريين مثل تحليل الغناء فى مواضع معينة وهو الذى كان يحرم الغناء كلية ولكنه وجد المصريون يغنون فى كل الأحوال عندما يعملون تجد لكل طائفة غناء معين وأيضاً فى حالة الحزن هناك أغان معينة تعرف " بالعديد" .

وليس غريباً عندما بدأت دول النفط تفتح أبوابها للعمال والموظفين المصريين أن يهود هؤلاء وقد اعتمرت رؤوسهم دشداشة خفية وأفكاراً غريبة على المجتمع ولكنهم بعد ساعات من نزولهم أرض مصر يعودون لسيرتهم الأولى وكأن فى هواء وشمس مصر إكسير الجينات المصرية التى تصحو مرة أخرى .
 
إن تاريخ مصر طبقات بعضها فوق بعض لا نستطيع أن نفصل طبقة لصالح أخرى ، والذى يريد أن يفعل ذلك ستنهدم عليه بقية الطبقات فمصر فرعونية قبطية إسلامية ، تضرب بجذورها فى التاريخ ، ولن يستطيع أحد مهما كان منظرًا كبيراً أو متحدثاً لبقاً أن يفرض على مصر صبغة بعينها .
و للحديث بقية ..

الجريدة الرسمية