رئيس التحرير
عصام كامل

الكتب تواصل رحلة البحث عن قراء.. 88% من الأسر المصرية تكتفى بـ"المدرسية" و79% منها تهتم بـ"الدينية".. شلبى: الاقتصاد عنصر فاصل.. النعيمى: الاعتراف بالجهل بداية الطريق

فيتو

فيما يستعد معرض القاهرة الدولى للكتاب لإسدال الستار على دورته الـ44، غدا الثلاثاء، تبقى أسئلة القراءة مطروحة مصريا وعربيا وعالميا مع تحديات تبحث عن حلول وطموحات فى خروج الكتاب من أزمته منتصرا.


وثمة ظاهرة لافتة الآن بقوة فى مجال تغير الذائقة القرائية فى الغرب، وهى "انتصار كتب الكوميكس"، أو القصص الفكاهية المصورة التى تحظى بإقبال كبير من القراء سواء كانوا من الكبار أو الصغار حتى أن كتبا جديدة صدرت لتناول أبعاد هذه الظاهرة كما تحدثت عنها مجلات ثقافية مرموقة مثل "نيويورك ريفيو أوف بوكس".

فى زمن مضى، كان جمهور كتب ومطبوعات الكوميكس من الأطفال والمراهقين، ويخجل الكبار من مطالعتها علنا، أما الآن فهى مقصد الجميع دون أى شعور بالخجل أو محاولة التخفى من جانب الكبار ولم تعد هذه النوعية من الكتب لصيقة "بالثقافة الهابطة" أو يتأفف منها المثقفون الكبار كما يقول كريس وير فى كتابه "بناء القصص".

فالإنسان المعاصر فى الغرب يشعر بالعزلة والوحشة والضجر وكتب الكوميكس المصورة بجاذبيتها تقوم فكرتها على تقديم حياة مبهجة ولا تألو جهدا فى امتصاص أحزان هذا الإنسان، ومن هنا ليس من الغريب أن تحظى بإقبال كبير من القراء فى الغرب والمهم أن القراءة مستمرة والتغيرات الذكية فى عالم النشر تحول دون موت الكتاب؛ لأنها تدرس جيدا كل المتغيرات فى ذائقة الجمهور الذى تتوجه إليه.

وعلى مستوى الكتابة الرقمية، ثمة نصائح فى الصحافة الثقافية الغربية من أجل جذب المزيد من القراء، وهى نصائح موجهة للكتاب مثل ضرورة استغلال جوانب القوة فى الوسيط الإلكترونى والبحث عن الأفكار المتفردة والملهمة والاهتمام بجماليات الأسلوب والعرض والسعى لإحداث الانفعال المنشود لدى القارئ بكتابة متقنة ومفعمة بالمشاعر مع اتفاق عام على أن الكاتب هو فى نهاية المطاف "محصلة ما يقرؤه".

وثمة ملاحظة ساخرة منذ سنوات لـ"إيفور براون"، حول أحد أسباب أزمة القراءة وهى تلك النزعة الخاطئة من أنهم يكتبون ما يكتبون وعلى القارئ أن يجد التفسير بنفسه وتوهم أنه ليس من العبقرية أن تكون الكتابة واضحة، بل إن البعض فى مصر والعالم العربى قد جنح بعيدا لحد القول إنه غير معنى بالقارئ دون أن يكلف نفسه عناء الإجابة عن سبب نشر أعماله وطرحها فى المجال العام والتوجه لهذا القارئ ما دام لايعنيه.

ولعله كان من المناسب أن يخصص معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام ندوة عن أزمة القراءة من الثقافة المكتوبة إلى الثقافة الرقمية بغرض تشخيص الأزمة بدقة واقتراح حلول لظاهرة العزوف عن القراءة.

ووفقا لدراسة أصدرها مؤخرا مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بعنوان: "ماذا يقرأ المصريون؟"، فإن نسبة تصل إلى 88 فى المائة من الأسر المصرية لا يقوم أى من أفرادها بقراءة أى نوع من الكتب باستثناء الكتب المدرسية.

وأضافت الدراسة أن نسبة قدرها 76 فى المائة من الأسر المصرية لا تقوم بقراءة الصحف والمجلات على الإطلاق، أما عدد الأسر المصرية التى يقوم أحد أفرادها بممارسة القراءة تقدر بنحو 2.2 مليون أسرة منها نحو 5.1 ملايين أسرة ليس لديها مكتبة فى المنزل.

وبالنسبة للفئة القارئة للكتب فإن نسبة قراء الكتب الدينية تصل إلى 79 فى المائة وتليها الكتب العلمية ثم الكتب الأدبية وأخيرا الكتب ذات الطابع السياسى.

وبين أجنحة معرض القاهرة الدولى للكتاب وجنباته لن تختلف إجابات وتعليقات بعض الرواد كثيرا عما ورد فى تلك الدراسة حول أسباب عدم الإقبال على القراءة، حيث رأت نسبة بلغت 72 % من عينة الدراسة أن "السبب هو أولويات الحياة" ويلى ذلك "انخفاض مستوى الدخل" و"ارتفاع أسعار الكتب".

وحسب تقرير لوزارة الصناعة فإن فاتورة واردات العام الماضى ارتفعت إلى 353 مليار جنيه بنسبة قدرها 18 فى المائة عن عام 2011 فيما لم يزد نصيب الإنفاق على الكتب فى هذه الفاتورة على واحد فى الألف.

وتستحق دراسة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الإشادة لأنها اهتمت بالشباب على وجه الخصوص وأوردت فى هذا السياق أرقاما دالة من بينها أن نسبة 48 فى المائة من الشباب المصرى فى الفئة العمرية من 15-29 عاما تأتى القراءة فى المرتبة الثالثة ضمن هواياتها، كما أظهرت أهمية المكتبات العامة؛ لأن نسبة تصل إلى 61 فى المائة من بين هذه الفئة تعتبر الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى لقراءة الكتب.

وفسر الشباب مسألة عدم الإقبال على القراءة الحرة بشكل عام بسبب عدم تشجيع الأسرة وكثرة القنوات التليفزيونية، ثم كثرة الأعباء المدرسية، وتبين أن 27 فى المائة من الشباب الذين يقومون بالقراءة يخصصون جزءا من دخلهم الشهرى لشراء الكتب ويبلغ المتوسط نحو 34 جنيها شهريا.

ولا جدال فى أن تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات المعيشة أمران يمكن أن يسهما فى حل أزمة القراءة وزيادة قاعدة القراء.

وسلم عاصم شلبى رئيس اتحاد الناشرين المصريين والعرب بأهمية العامل الاقتصادى مشيرا إلى أن سوء الوضع الاقتصادى لا يجعل الكتاب من أولويات الحياة، والأمر ليس بعيدا على أى حال عن شعارات ثورة يناير فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وقد يثير أيضا التساؤل حول مدى استفادة الحياة الثقافية فى مصر حتى الآن من هذه الثورة الشعبية وتقليص رقعة التصحر الثقافى الناجمة عن سياسات النظام السابق.

وفى سياق أنشطة المقهى الثقافى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى بدأ يوم 23 يناير المنصرم، كان من الطريف والدال أن يقول الدكتور خليل النعيمى الطبيب والأديب الذى درس الجراحة والفلسفة فى باريس إن الاعتراف بالجهل هو أول طريق التعلم، وإنه قرأ فى العاصمة الفرنسية لكبار الكتاب العرب مثل الدكتور طه حسين فضلا عن المعلقات والتراث العربى.

وتحدث الروائى المصرى الدكتور محمد المنسى قنديل فى هذا اللقاء عن متعة القراءة والكتابة وكيف أن الكاتب يشرك القارئ فى عالمه الخاص، وأجاب خليل النعيمى عن سؤال حول اتجاه بعض الشباب فى عصر الإنترنت للكتابة دون قراءة بقوله: إن الجيل الجديد يقرأ على "الآى باد" ويتلقى المعلومات من مصادر جديدة غير الكتاب المطبوع وهذا هو المهم.

وفى بريطانيا التى عرف شعبها بحب القراءة لا تكاد المناقشات تتوقف عن تأثير الإنترنت على القراءة، فيما يقول جيمس بريدل فى صحيفة الأوبزرفر إن منتديات القراء تزدهر بالفعل على الشبكة العنكبوتية.

ومع ذلك فإنه من سوء الحظ- كما يضيف جيمس بريدل- أن يكون تأثير هذا النشاط الاجتماعى الإنترنتى للقراء على زيادة مبيعات الكتب محدودا للغاية، مستشهدا بأرقام تؤكد أن نسبة قدرها 7 فى المائة فحسب من الكتب التى تباع إلكترونيا اشتراها قراء بفضل مناقشات حولها على شبكة الإنترنت.

وفى تصريحات صحفية، قال عاصم شلبى رئيس اتحاد الناشرين المصريين والعرب، إن مصر تنتج نسبة تتجاوز 85 % من الكتب فى العالم العربى، معتبرا أن السبيل لصنع "مجتمع قارئ" يتمثل فى قيام الأسر بتنمية عادة القراءة لدى الأبناء واهتمام مؤسسات التعليم بالمكتبات وتيسير سبل الاستعارة والتوسع فى إنشاء المكتبات العامة.
الجريدة الرسمية