رئيس التحرير
عصام كامل

استفتاء أضاء النفق المظلم


قوم يا مصري مصر دايما بتناديك.. خد بنصري نصري دين واجب عليك..
حب جارك قبل ما تحب الوجود.. إيه نصارى ومسلمين قال إيه ويهود..
دي العبارة نسل واحد مـ الجدود.


صدحت مقاطع من الأغنية الخالدة التي أبدعها الثنائي بديع خيري وسيد درويش عام 1919، وتداخلت معها "تسلم الأيادي"، "يا حبيبتي يا مصر" عبر هواتف مصريين مغتربين توافدوا بمحبة وصدق كبيرين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور وإنجاز الاستحقاق الأول في خارطة الطريق نحو بناء مصر المدنية والديمقراطية.

حقيقة.. الفرق شاسع بين تجربتي الاستفتاء على الدستور، ففي العام الماضي ذهبت إلى السفارة لرفض الدستور "الإخواني"، فإذا بحشود من المنتمين إلى الجماعة الإرهابية تحتل السفارة، وجوه "غبرة" عابسة وأصواتها تنعق كالغربان، يتصرف أصحابها كأنهم "أسياد البلد"، أما نحن الغالبية فوجدنا أنفسنا "غرباء" لا يشرفنا الانتماء إلى مكان سيطر عليه "الإخوان". المهم قلنا "لا" لدستور وضعه فصيل واحد أراد بيع مصر ومنح رئيسه صلاحية رسم الحدود والتنازل عن بعض أراضي البلد.

أما هذه المرة فالمشهد يشرح القلب، توافدت أسر كاملة اصطحبت أولادها معها، الجميع يغني مبتهجا رافعا العلم المصري، أو مرتديا ملابس بلون العلم وغيرهما من مظاهر الفرحة، وفي السفارة استقبلتنا وجوه ضاحكة مستبشرة ترشدنا إلى الاجراءات، وتعتذر بأدب جم ممن لا يحق له المشاركة مع توضيح الأسباب.

نعم كان عدد المشاركين أقل من المرة السابقة لأسباب عدة، منها إلغاء التصويت البريدي لتجنب التصويت الجماعي الموجه، وهو يمثل نسبة لا يستهان بها من المشاركين في الاستفتاء السابق. كما حال اشتراط وجود الرقم القومي أو جواز السفر المميكن دون مشاركة كثير من المغتربين في الاستفتاء.

لكن بالمحصلة فإن نسبة الموافقة على الدستور بين المصريين العاملين بالخارج تجاوزت 90%، إذ وجد المصري أن الفعل الديمقراطي الصحيح متوفر هذه المرة، عبر تشكيل لجنة تضم كل أطياف ومكونات المجتمع، تمكنت بقيادة بارعة من المحنك عمرو موسى من وضع مسودة دستور يلبي غالبية مطالب الشعب ويحقق مدنية الدولة ويكفل حقوقاً متساوية بين المواطنين، أما النواقص على قلتها فيمكن تعديلها فيما بعد، لأن الدستور ليس قرآنا. من هنا اكتسحت "نعم" تصويت المغتربين.

وفي مصر تابعت بشغف عبر التلفاز كيفية الترويج للدستور، وحقيقة أبلى الغالبية بلاء حسنا، سواء في الرئاسة أو الحكومة التي جندت أجهزة الدولة والمؤسسات الدينية والفعاليات النقابية والفنانين والإعلام حكومي ومستقل، لحث الشعب على المشاركة، وأخص بالإشادة دعوة البابا تواضروس الثاني للتصويت بـ "نعم" وموقف الكنائس المصرية مجتمعة لحشد التأييد للدستور، كذلك بذل "الأزهر الشريف" ودار الإفتاء جهوداً لافتة في مقاومة محاولات تشويه متعمدة لمسودة الدستور من قبل المنتمين للتنظيم الإرهابي والتيارات الهشة المتحالفة معه.

أما الجيش والشرطة، فلن توفيهما الكلمات مهما كانت جزءً ضئيلا مما يستحق المنتمون إليهما، إذ تحملوا ومازالوا العبء الأكبر في الحفاظ على البلد والشعب منذ ثلاث سنوات، وفي الاستفتاء كان الأداء مذهلا على المستويين الإنساني والتأميني فضلا عن التنظيمي، لأن قادة الجيش والشرطة يدركون أن العالم كله يتابع ويرصد وينتظر "الزلة"، من هنا كان تأمين الاستفتاء بمثابة اختبار لهيبة الدولة أمام الشعب والعالم.

الحرص الشعبي على المشاركة في الاستفتاء أثلج الصدور، وأثبت أن المصري سئم الاضطرابات، وينشد الأمن والأمان والاستقرار التي نعم بها آلاف السنين، وأنه أدرك أبعاد المؤامرة التي انجرف البعض في تيارها حتى كادت مصر أن تضيع، لولا إرادة الله ووعي الشرفاء..

وكما لفظ الشعب نظام "الإخوان" العميل، فإنه ماض في التخلص تباعا من رموز وذيول المؤامرة وعملاء الخارج، وكذلك مواجهة التحديات واستكمال استحقاقات المرحلة التي تؤدي إلى عودة الاستقرار إلى "أم الدنيا"، وما الاستفتاء على الدستور سوى خطوة أولى أضاءت نفق مظلم دخلته مصر بتآمر قلة خائنة أعماها المال والطمع في السلطة.
الجريدة الرسمية